تَعرّف على نفسك… لا بوصفها اسما وسيرة وصورة، بل بوصفها سؤالا مفتوحا لا ينتهي.
اسأل: ما النفس؟
أهي هذه الرغبات المتقلبة، أم ذلك الصوت الخفي الذي يراقبها؟
وما العقل؟
أهو آلة حساب، أم أمانة تميّز بين الحق والباطل؟
وما العمر؟
أهو عدد السنوات، أم مقدار الوعي الذي نضج في داخلك؟
ومن تكون “أنا” حقا… هذا الجسد العابر، أم الأثر الذي تتركه، أم النية التي تسكنك؟
وإلى أين المسير؟ إلى مزيد من الامتلاك، أم إلى مزيد من الفهم؟
هذه الأسئلة ليست ترفا فكريا، بل عبادة من نوع آخر. فمعرفة النفس ليست انغلاقا على الذات، بل طريقا لكشف حقيقتها.
ولهذا قيل: من عرف نفسه عرف ربّه،
لا لأن الإنسان يصبح إلها – حاشا – بل لأن من أدرك فقره، أدرك غنى الله،
ومن لمس ضعفه، فهم معنى القوة المطلقة،
ومن عرف حدوده، اطمأن إلى حكمة من وضعها.
أخطر ما يمكن أن يصيب الإنسان ليس الجهل، بل النسيان… نسيان النفس.
وقد جاء التحذير القرآني قاسيا وصريحا
:
﴿ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم﴾
كأن العقوبة ليست نارا تُرى، بل غيابا داخليا لا يُدرك…
أن تعيش وأنت غريب عن دوافعك، تائه عن قيمك، مُساقا لا سائرا. أن تفقد البوصلة، لا الطريق فقط.
من ينسَ الله، لا ينساه الله عقوبة، بل يتركه لنفس لا يعرفها.
ومن لا يعرف نفسه، يظن اللذة في الخارج، في المال، في السلطة، في التصفيق…
ثم يكتشف متأخرا أن اللذة الحقّة كانت في السلام الداخلي، في الانسجام بين ما يؤمن به وما يعيشه، في طمأنينة القلب حين لا يناقض فعله ضميره.
اعرف نفسك، لا لتتعالى بها، بل لتُهذّبها.
اعرفها لتضعها في موضعها الصحيح: عبدا لا مركزا للكون،
مُستخلفا لا مالكا مطلقا، عابرا لا خالدا.
وحينها فقط، تفهم العمر على حقيقته: فرصة، لا سباق.
وتفهم العقل: أداة أمانة، لا صنما يُعبد.
وتفهم النفس: ميدان تزكية، لا مستودع شهوات.
وفي هذا الفهم، تولد اللذة التي لا تُشترى، ولا تزول، ولا تحتاج شاهدا عليها إلا قلبا حاضرا لم يُقصِ الله عن وعيه،
فيبقى متصلا بذاته:
يعرف قدره دون استعلاء،
وضعفه دون جلد،
وحدوده دون خوف.
ومن هنا نفهم المعنى العميق:
من حفظ الله في قلبه،
حُفظ من الضياع في نفسه..
إحسان الفقيه زاوية إخبارية متجددة