“إنَّ عَزْلَ بِرْوِيز مُشَرَّف هو شَأْنٌ باكستانيٌ داخليٌ”
كان ذلك التصريحُ للخارجيةِ الأمريكيةِ بِمَثَابَةِ إعلانِ التخلي عنْ حَلِيفِها الباكستانيِ البَارِزِ الذي عادى شَعْبَهُ مَنْ أجْلِ تَقْدِيمِ فُرُوضِ الولاءِ والطاعةِ للإدارةِ الأمريكيةِ، وجَعَلَ مِنْ أَرْضِ بِلادِهِ مَرْتَعَاً لِلْمُخابراتِ المَرْكَزِيةِ بِحُجَّةِ مُوَاجَهةِ الإرهابِ.
مُشَرَّفُ جَعَلَ نَفْسَهُ رَهْنَاً لِلْإمْلاءاتِ الأمريكيةِ وسِيَاسَاتِها المُعَادِيَةِ لِلْمسلمينَ والعربِ، وأَقَالَ صَانَعَ القُنبلةِ النوويةِ الباكستانيةِ عبدَ القَدِيرِ خَان مِنْ مَنْصِبِه، وَوَضَعَهُ تَحتَ الإقَامَةِ الجَبْرِيَّةِ بِإيعَازٍ مِنْ البَيْتِ الأَبْيَضِ.
وَفِي النِّهَايةِ تَخَلَتْ أمريكا عَنْ العَمِيلِ الباكستانيِ وَوَضَعَتْهُ فِي سَلَةِ المُهْمَلاتِ كَغَيرِه مِنْ الحُلَفَاءِ الَّذِينَ اعْتَادَتِ الولاياتُ المتحدةُ بَيْعَهُم والتَنَكُّرَ لِخَدَمَاتِهِم.
فِي كِتَابِه “كيفَ تبيعُ أمريكا أصدقاءَها” يَقُولُ الأُسْتَاذُ مجدي كامل: “لا صداقةَ مع أَحدٍ تَدُومُ ولا وفاءَ لِأَحدٍ يستمرُ، هذا هُوَ المَنْطِقُ السياسيُ الأمريكيُ في التعاملِ مَعَ الأَنْظِمِةِ الحاكمةِ في كلِ زَمانٍ ومكانٍ، منطقُ الغَدْرِ هذا لا يَسْتَثْني أَحداً، ليس فِيْهِ مكانٌ لِحَلِيفٍ أَو صَدِيقٍ، الجميعُ سَوَاسِيَةُ، المِعْيَارُ الوحيدُ هُوَ المَصلحةُ”.
وَعدَّدَ الكاتبُ الحلفاءَ الَّذِينَ باعَتْهُم أمريكا، كان مِنْهُم شَاهُ إيران، والرئيسُ الفلبينيُ ماركوس، وسوهارتو الإندونيسيُ، وصدامُ حسينُ العراقيُ، وباتيستا الكوبيُ وغيرُهم، كُلُهُم تَنَكَّرَت أمريكا لِصَدَاقَاتِهِم.
السعوديةُ ودولُ الخليجِ كانتْ إحدى الحلفاءِ الاستراتيجيين الَّذِينَ باعتْهُم أمريكا، فهذه الدولُ على مَتَانَةِ عِلاقَتِهَا بالولاياتِ المتحدةِ، رَفَعَتِ الأخيرَةُ عَنْهَا الحِمَايَةَ أَمَامَ التَغَوُّلِ الإيرانيِ.
كان أَبْرَزَ المَحطاتِ التي أَظْهَرتْ تَخَلِي واشنطن عن الخليجِ، توقيعُ اتفاقيةِ النوويِ التي أَدَّت لِرَفعِ العُقُوباتِ الإقتصاديةِ عن إيران، دُونَ إيجادِ أيِ ضَمَانَاتٍ لِلْأَمْنِ الخليجيِ.
وفي الوقتِ الذي تقودُ فِيهِ السعوديةُ تَحَالُفَاً عربيا لِمُوَاجَهةِ الإنقلابيينَ الحُوثِيينَ في اليَمنِ، تَرْفُضُ أمريكا إدْرَاجَ الحُوثِيينَ عَلَى قائمةِ الإرهابِ، لأنَّ ذَلِكَ يَدخلُ ضِمْنَ سِيَاقِ العلاقاتِ المَتِينَةِ بَيْنَ واشنطن وطهران.
وَفِي الوقتِ الَّذي تَدْعَمُ فِيهِ السعوديةُ وحلفَاؤُها الثَّورةَ السوريةَ وتَتَمَسَكُ بِمَوَقِفِهَا الرَّافِضِ لِبَقَاءِ الأَسدِ، تَسْمَحُ أمريكا لإيران بالتدخلِ الّسَّافِرِ فِي سوريا لِصالحِ الأسدِ، رَغْمَ ما يُمَثلُهُ مِنْ خُطُورَةٍ عَلَى أَمْنِ الخليجِ والمنطقةِ بِأَسْرِهَا.
أَرَادتْ واشنطن مِنْ خِلالِ هَذَا التَّنَاغُمِ مَعَ طهران خَلْقَ توازنٍ بَيْنَ أَغْلَبِياتٍ سُنِّيةٍ وأَقَلِّيَاتٍ شيعيةٍ فِي المنطقةِ، فَصَعَّدَتْ إيرانُ لِمُوَاجَهَةِ السُّنَّةِ، ابتداءً مِنْ تسليمِ العراقِ لِعُمَلاءِ المَلالِي وانتهاءً باتفاقيةِ النوويِ، وغَضِ الطَّرفِ عَنْ العَربَدةِ الإيرانيةِ فِي العراقِ وسوريا.
ومِنْ نَاحِيةٍ أُخرَى، بات واضحاً أنَّ أمريكا تَبْنِي شَرَاكَتَها الحاليةَ فِي المنطقةِ عَلَى ما يُحَقِقُ تَحْجِيمَ وإضعافَ الإسلامِ السُّنيِ.
فَفِي العراقِ تُنَسِّقُ أمريكا مَعَ الحكومةِ العراقيةِ الطائفيِّةِ لِتَغييرِ التركيبةِ السُّكانيِّةِ وتَهجيرِ السُّنَّةِ عَنْ طَرِيقِ ضَرْبِ أَمَاكِنِ تَجَمُعَاتِهِم بِذَرِيعَةِ مُوَاجَهَةِ داعش، وقَبلتْ أَنَّ تتعاونَ مع قاسمِ سليماني لضربِ الفلوجةِ.
كما قبلتْ بِأّنْ تعملَ جنبا إلى جنبٍ مع ميلشياتِ الحشدِ الشَّعبيِّ الطائفيةِ في العراقِ بِصورةٍ غيرِ مباشرةٍ، إضافةٍ إلى دعمِها للأكرادِ، بِمَا يُؤَكدُ أنَّ أمريكا تَسيرُ بِاتجاهِ تقسيمِ العراقِ.
وفي سوريا، تَتَلكَأُ أمريكا في حسمِ المعاركِ مع تنظيمِ داعش، وترفضُ عروضَ الأتراكِ في شنِ عملياتٍ عسكريةٍ مشتركةٍ، وتَمتَنِعُ عن توفيرِ غطاءٍ لتَدَخُّلِ السعوديةِ وحلفائِها برياً، مع أنَّ أحَدَ الخيارينِ أو كلاهما من شأنِه أنْ يَحسمَ المعاركَ مع تنظيمِ داعش في سوريا.
السبَبُ واضحٌ، وهو أنَّ أمريكا لا تريدُ حسمَ المعاركِ مع داعش بالشراكةِ مع قُوَى سُنِّيةٍ خوفا مِنْ تَقويةِ نُفُوذِ هذه الدولِ في المنطقةِ.
وفي الوقتِ نفسِهِ، تمتنعُ واشنطن عن تقديمِ الدعمِ العسكريِ لفصائلِ المعارضةِ السُّنِّيةِ التي تمثلُ أغلبيةَ الشعبِ السوري، رغم أنَّ هذه الفصائلَ تواجهُ تنظيمَ داعش من جهةٍ، وقواتِ الأسدِ من جهةٍ أُخرَى.
يأتي هذا التباطؤُ والرفضُ للشراكةِ مع دولٍ وجماعاتٍ سُنِّيةٍ، في الوقتِ الذي تَغُضُ الطرفَ عن التدخلِ العسكري لإيران وأذرِعِهَا (حزبِ الله والميلشياتِ الشيعيةٍ) في سوريا.
وتُمْعِنُ أمريكا في تقريرِ اختيارِ شُركائِها بعيداً عن الدولِ والجماعاتِ السُّنِّيةِ، فَتَدعَمُ وبقوةٍ القواتِ الكرديةِ لاكتسابِ أرضٍ جديدةٍ عَلَى حسابِ الفصائلِ الثَّوريةِ السُّنَّيةِ، ومؤخرا قام مستشارونَ عسكريونَ أمريكيونَ بالإشرافِ عَلَى تقدمِ قواتِ سوريا الديموقراطيةِ – التي يُمَثِلُ الأكرادُ عَمودَها الفقري – من خلالِ تركيبِ جسرٍ حديديٍّ على الفراتِ في قريةِ “قره قوزاق” تمهيداً لتَقدمِ القواتِ باتجاهِ مِنْبِج من المحورِ الشماليِّ الغربيِّ.
كما تحدثَتْ وسائلُ إعلامٍ عن ظهورِ مقاتلينَ أمريكيينَ إلى جانبِ قواتِ سوريا الديموقراطيةِ في شمالش الرقةِ واضعينَ شِعارَ الوَحَدَاِت الكُرديةِ على البِذَّاتِ العسكريةِ.
لَو كانتْ أمريكا ترغبُ فِعلاً فِي مواجهةِ الإرهابِ فِي سوريا كما تَزعمُ، لاختارتْ أَسهلَ وأقربَ الطرقِ إِليهِ، ومَدَتْ يَدًهَا إلى السعوديةِ وتركيا وحلفائِهِمَا، والذين يَرغبونَ فِي إزاحةِ تنظيمِ داعشَ من المعادلةِ، والذي كان وجودُه أكبرَ شوكةٍ في ظهرِ الثَّورَةِ السوريةِ، إذْ أَصبحَ ذَرِيعةً لِتدخلاتٍ دوليةٍ في سوريا.
إذَا كانتْ أمريكا تبيعُ حلفاءَها بمنطقِ المصلحةِ، وفي الوقتِ نفسِهِ تَهْدفُ سياستُها في المنطقةِ إلى تصفيةِ الحساباتِ مع الإسلامِ السُّنِّي خاصةً بعد أحداثِ الحادي عشر من سبتمبر، فلا مجالَ للعربِ في الرهانِ علَىَ التحالفِ مع البيتِ الأبيضِ.
لقد آن أوانُ نَبْذِ التَّبَعِيةِ لأمريكا، فالمُتَدثرُ بها عُرْيَانٌ، وابتغاءُ الحفاظِ على العروشِ بالارتماءِ في أحضانِها رغمَ التجاربِ السابقةِ هَرولةٌ وراءَ السرابِ.
كما أنَّه لا ينبغي التعويلُ على تغييرِ القياداتِ الأمريكيةِ، فقدْ ثَبَتَ أنَّ السياسةَ الأمريكيةَ تجاهَ المنطقةِ جوهرُها ثابت، والمتغيرُ هو شكلُها ومظهرُها، فكلٌ يؤدي دورَه بحسبِ متطلباتِ المرحلةِ.
أستاذه احسان يجب أن نعلم أنه بعد افتعال الحرب العالمية الثانية تم إنشاء نظام عالمي جديد وتسليم السيطرة للعم سام وجعل الدولار عملة عالمية التداول.. أعني كل ذلك كان مخطط له بدقة كبيرة. اليوم يتم تهيئة الصين لوراثة العم سام خلال بضع سنوات قليلة.. طبعاً هناك لوبيات داخلها ترفض التنازل والتسليم ولكن في المقابل لوبيات المال والتكنولوجيا والاعلام تقف مع الصين ومشروع العصر حزام وطريق.
ليس لأمريكا صديق أو حليف والكل مابين خصم وعدو.
https://m.youtube.com/watch?v=7FulMbgtod4
صدقت، بارک الله فیک و جزاک الله خیراً.