المرتزقة في السودان…تهديد للأمن الداخلي وفوضى عابرة للحدود

في أغسطس/آب المنصرم، وجّهت القوات الجوية السودانية ضربة محكمة إلى مطار نيالا في إقليم دارفور، حيث استهدفت طائرة كان على متنها أكثر من أربعين من مرتزقة كولومبيين، كانوا يتوجهون للانضمام إلى القتال مع قوات الدعم السريع المتمردة.

محتوى هذا الخبر، على الرغم من أنه قد يبدو غريبا على بعض الأسماع، إلا أن قتال المرتزقة في صفوف قوات الدعم السريع في حربها ضد الجيش الوطني السوداني، هو أمرٌ قائم منذ اندلاع الحرب، ولا يقتصر على مقاتلي أمريكا اللاتينية، بل هناك أعداد غفيرة من مقاتلين أفارقة من تشاد والنيجر ومالي وافريقيا الوسطى، وعناصر تابعة لشبكات تهريب السلاح، يعملون لصالح أمراء حرب الدعم السريع.

وجود هذه الأعداد الهائلة من المرتزقة، أحد أبرز الأسباب التي تعيق الحسم العسكري أمام الجيش السوداني، في صراعه مع قوات الدعم السريع المتمردة، وتطيل أمد الحرب، وبتمويل من أطراف إقليمية لها أجنداتها في ذلك البلد الذي أنهكته الحرب.

المرتزقة جزء رئيسي من معادلة الصراع، ووجودهم يرتبط بشكل مباشر ببنية الحرب وبتشابكات إقليمية ودولية، وليس مجرد تفصيلة جانبية من تفاصيل الأزمة، وليس مجرد عنصر مساعد، بل هو رافعة أساسية في بقاء وتوسع قوات الدعم السريع، تتيح لها تعويض الخسائر البشرية والنقص العددي، وتدعم قدراتها القتالية، بما لدى هؤلاء المرتزقة من خبرات قتالية في حرب العصابات وقتال الصحراء، واستعدادهم كذلك لتنفيذ مهام قذرة، دون أن تكون لها صلة رسمية بقوات الدعم السريع. وجود المرتزقة في الحرب داخل السودان كارثة بكل المقاييس، فقتالهم إلى جانب قوات حميدتي، لا يقيم صلب قوات الدعم السريع لإطالة أمد الصراع فحسب، بل يحول هذا البلد المنكوب إلى ساحة حرب مفتوحة تدار بالوكالة لأطراف إقليمية ودولية، ويعزز المخاوف من استخدام هؤلاء المرتزقة ضمن أجندات خارجية، لإعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في القرن الافريقي.

وجود هؤلاء المرتزقة في السودان يغرق البلاد في الفوضى والعنف والانفلات الأمني، لأن هذه المجموعات لا تخضع لهيكل قيادي واضح، ولا تتقيد بأخلاقيات الحروب، وتتصرف باستقلالية تامة، ومن ثم تستهدف المدنيين بالنهب والسرقة والاغتصاب، دون اعتبارات للحسابات السياسية.

ثروات هذا الشعب المنكوب، كلأ مستباح للمرتزقة، الذين جاءوا من أجل المال، فمن خلال وجودهم يتمكنون من عمليات النهب المنظم للمخازن والمساعدات، والقيام بتهريب ثروات السودان من ذهب ومعادن، كما أن هذا الوجود يتيح لهم ابتزاز المواطنين مقابل الحماية.

ومن شأن الارتزاق العسكري في السودان، أنه يخلق واقعا عسكريا غير قابل للتفاوض، وينسف الثقة في أية حلول سياسية، كما أنه يفتح الباب أمام الصراعات العرقية، وتعزيز الكراهية العرقية، حيث أن كثيرا من هؤلاء المرتزقة الأفارقة ينتمون إلى عرقيات مختلفة.

وجود المرتزقة لن يجعل الأزمة تنتهي عند توقف القتال، والتوصل إلى حل سلمي، فهذه المجموعات التي تقاتل من أجل المال ووجدت في السودان مرتعا للاسترزاق، وتحقيق الثراء، ما الذي سيجبرها على نزع السلاح والرحيل عن ذلك البلد؟ بل من المؤكد أنها ستكون العقبة الكؤود أمام أي سلطة انتقالية تدير البلاد، ومن ثم، لا بد وأن يسبق الحديث عن إنهاء الصراع، اتخاذ خطوات جادة لوقف نزيف استقدام المرتزقة، وتفكيك مجموعاتهم وترحيلهم خارج البلاد.

الدول العربية منوطة باتخاذ هذا الموقف تجاه المرتزقة، لأنها المتضرر الأكبر من هذا الجوار، لبؤرة الصراع الدامي، خاصة الدول القريبة من الحدود السودانية، التي يمكن أن تتسرب إليها عناصر من هذه المجموعات، وتكون فرصة مناسبة لنقل السلاح إلى جماعات إرهابية تهدد أمن هذه البلاد، وتفتح حدودها أمام الجريمة والفوضى العابرة للحدود.

كما أن هذه الدول القريبة من الحدود السودانية سوف يلحقها الضرر من ناحية أخرى، وهي نزوح ملايين اللاجئين عبر الحدود، بسبب طول أمد الحرب، الذي من أبرز أسبابه قتال المرتزقة في صفوف قوات الدعم السريع.

أول ما ينبغي للدول العربية اتخاذه، استخدام إمكاناتها الدبلوماسية، لدفع الأمم المتحدة لتصنيف الارتزاق في السودان على أنه جريمة حرب، وتحميل الدول التي تتسرب منها هذه المجموعات أو الأطراف التي تمولها، المسؤولية القانونية، والتهديد بفرض عقوبات دولية ضدها، وإلزام الدول باتفاقيات أمنية ملزمة للسيطرة على حدودها.

ومن هذه الإجراءات تقديم الدعم الاستخباراتي والأمني والتقني الوافر للجيش السوداني، حول مسارات تهريب السلاح والمرتزقة، لتعقب تحركاتها داخل وخارج السودان وتفكيك شبكات التهريب والتجنيد.

وفي حال وجود إرادة عربية حقيقية للتصدي لهذا الخطر الإقليمي، بمقدور الدول العربية أن تصدر قرارا عربيا موحدا ضد الدول التي تدعم تصدير المرتزقة للسودان، والدول التي تسمح لهم بالمرور عبر حدودها، أو تلك التي تستخدم أرضها كنقاط للتجنيد.

ومن خلال هذه الإرادة العربية المشتركة، سيتعين فرض رقابة صارمة على شركات الأمن الخاصة، التي يمكن لها التورط في نقل مقاتلين للأراضي السودانية، ومراقبة تحويلات الأموال المشبوهة التي قد تستخدم للتجنيد.

كما يمكن لهذه الدول تشكيل لجنة أمنية مشتركة لمراقبة الحدود السودانية وملاحقة مسارات التهريب بإطلاق دوريات مراقبة من طائرات الاستطلاع.

والأهم من ذلك هو توحيد الموقف العربي تجاه السودان، فوجود انقسامات في الصف العربي تجاه الأزمة وأطراف الصراع، من شأنه أن يفسح المجال لتنفيذ أجندات خاصة مخالفة للمزاج العام العربي، ولن تنشط مجموعات المرتزقة ولن تجد في السودان بيئة مناسبة لعملياتها، إلا في ظل وجود انقسام عربي.

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

لهذا يرفض الاحتلال حل الدولتين؟

مثّل الانتهاك الإسرائيلي للسيادة القطرية باستهداف قيادات حماس بالدوحة، محطة فارقة في مسار القضية الفلسطينية، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *