علّمتني قصة الخضر مع موسى عليهما السلام

علّمتني قصة الخضر مع موسى عليهما السلام أنّ الصحبة ليست عقدَ إذعان، ولا رباطَ عمرٍ يُلزم الروح بما لم تعد تطيقه، وأنّ صفاء النيّة، وعلوّ المكانة، وصدقُ الطلب -حتى النبوّة- لا تكفل بقاء السير على الطريق ذاته.

فالخضر، الذي آتاه الله علمًا لدُنيًّا لا يُقاس بعلم البشر، يقول لموسى بعد دقائق من الأسئلة والإنكار:

“هذا فراق بيني وبينك”؛

*جملة قصيرة لكنها تحمل من الحكمة ما تُحمِّله كتبُ الفلسفة من مجلدات.

وفي هذا الفراق حكمة:

أنّ الاختلاف في منهج النظر أخطر من الاختلاف في حسن النيّة.

فموسى ما أراد سوءًا، بل أراد الفهم، لكنه أراد الفهم بأدواته الخاصة، بأفق الشريعة التي يُخاطَب بها قومه، بينما الخضر يتحرك بأفق الغيب الذي لا تبلغه العقول إلا بإذن.

وهنا تلمس حكمة قالها أبو حامد الغزالي:

“اختلاف الناس في الظاهر إنما منشؤه اختلافُ أنظارهم في الباطن.”

وفيها أيضا: أنّ الفراق ليس خصومة، بل أحيانا هو حماية لمقام كل طرف؛ فلو أصرّ موسى على المتابعة لشقّ عليه ما لا يُطاق، ولو أصرّ الخضر على إبقائه لأفسد عليه إدراك الحكمة من فعله…

فتفريق الطرق كان عين الرحمة، لا عين الجفاء.

وفيها: أنّ بعض الصحبة -حتى أحبها إلى قلبك- ترافقك حتى مفترق علم، أو مفترق عبء، أو مفترق تكليف، ثم يذهب كلٌّ إلى قدره بلا ضغينة.

قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه:

“اعرفوا الرجال بالحق، ولا تعرفوا الحق بالرجال.”

فالصحبة حقّ، ولكن المنهج أسبق من الصديق، والبصيرة أسبق من الحنين.

وفيها: أنّ العتاب يكثر حين يقلّ العلم؛ فمن لم يعرف دوافع صاحبه وأسرار فعله جعل من الظاهر حكما، ومن الحكم قطيعة.

ولهذا كان أوّل ما علّم الخضرُ موسى: أنّ الحكم على الفعل قبل اكتمال صورته ظلمٌ، وأنّ اللوم ابنُ العجلة.

ويقول ابن القيم:

“من جهل شيئًا عاداه، ومن لم يُحط بسرّه أساء الظنّ بصاحبه.”

👈🏻أدب الفراق في قصة موسى والخضر ليس أدبا يُعلّمك كيف ترحل، بل كيف ترحل بلا ضغينة، وتفارق بلا طعن، وتحفظ للرحلة

القصيرة قيمتَها، وتضع الاختلاف في موضعه:

-ليس خيانة،

-ولا انقلابًا،

-ولا جحودًا…

👈🏻بل نهايةُ درسٍ امتدّ بقدر الحكمة، ثم توقّف بقدرها.

ذلك هو أدب الفراق: أن تدرك أن كلّ طريق يجمعك بآخر هو نعمة، وأن كلّ فراق كتبه الله هو تمام النعمة..

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

«ممنتو موري»= تذكّر أنّك ستموت

«ممنتو موري»= تذكّر أنّك ستموت كتبت إحسان الفقيه قُرب مقبرة كفرأبيل القديمة: ==== وأنا أُقلّب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *