آيةٌ تختصر حنين البشر كلّه:
-حنينٌ إلى مكانٍ لا يُغادر، وزمانٍ لا ينصرم، وصحبةٍ لا يطويها سفرٌ ولا يهدّدها موت…
*لو لم يكن في الجنة إلا أمنُ القرار بعد طول الترحال لكفى؛ فنحن أبناءُ تعبٍ قديم،
أبناءُ وداعٍ يتكرّر حتى صار بعضُ القلب مقبرة لمن نحب….
* ما أكثر ما أنهكتنا أسفارٌ بلا طمأنينة، وطرقٌ بلا رفيق، وفجائعُ غيابٍ لا يخفُّ وجعها مهما كرّرنا التأقلم…
دار المقامة… دارٌ لا يطرق بابها الفراق، ولا يقترب من مجالسها النقص والندم…
دارٌ تعود فيها الأرواح إلى أصل صفائها، وتلتقي فيها القلوب التي فرّق بينها قدر الأرض ليجمعها قدر السماء. ..
مجالسُ كرماء، وسمرُ خلّان، ونعيمٌ لا يُخشى أن يُنتزع، ولا يُخاف أن يبهت…
ولمّا ودّعنا من سبقونا إلى الله، ما كان دعاؤنا أن يطيل الله لنا في الدنيا، بل أن يرزقنا لقاءهم في جنة تُمحى فيها كل آثار الفقد….
فالجنة ليست فقط ثواب الطائعين، بل عودة الحزانى إلى مَن أحبّوا….
ورضي الله عن عمر؛ فما أطول معانقته لأبي عبيدة يوم فتح بيت المقدس، حتى لكأن مفاتيح المدينة كانت أقل فرحًا في قلبه من لحظة لقياه.
وما أصدق وجع المُتحابّين في الله؛ أخذت القبور نصيبها، والاستغناء نصيبه، والدنيا بمشاغلها ما تبقّى من العمر…
وكان عمر يشكو لأصحابه شوقه كما يشكو العابدُ طول الليل:
«ما أطولَ الليلة يا فلان… باتت نفسي تتقلّب شوقًا إليك!»
كنا نسمع هذا فنستغرب؛ أمّا اليوم وقد عرفت قلوبنا مرارة التباعد، لم نعد نستغرب شيئا…
المُتحابّون في الله لا يهدأ وجدانهم إلا في دار المقامة؛ حيث تُجمع القلوب بعد طول تمزّق، وتعود الضحكات إلى مجالسها الأولى، وتستريح الروح إلى من ألفتهم فلم تجد لهم بديلا…
أيها الحبيب الغائب…
في دار المقامة سنلتقي؛ لقاء لا يعقبه وداع، ولا يقطعه سفر، ولا يصدّ عنه شاغل…
هناك… حيث لا انقطاع، ولا وحشة، ولا سآمة ولا ملل…
إحسان الفقيه زاوية إخبارية متجددة