أُحبُّ الملك عبدالله أو لا أُحبّه .. هو شأن قلبي..!

ولكن الإحترام وحُسن الخطاب ..هو أساس الإصلاح إن كنت تريد إصلاحا !

من خلال متابعة دقيقة، ومراقبة شبه يومية لما يُنشر على وسائل التواصل

الاجتماعي، بدأت تتكون لدي قناعة راسخة أن الأردن يتعرض منذ فترة طويلة لحملات تشكيك وتبخيس وتثبيط ممنهج، وأحيانًا بتمويل ودعم خفي من خصوم إقليميين أو جهات إعلامية لها أجندات معروفة، لا سيما العدو الصهيوني الذي يجد في استقرار الأردن شوكة في خاصرته، ويستفيد من تداول هذه الأكاذيب داخليًا وعربيًا.

المشكلة ليست فقط في تلك الجهات، بل في البيئة التي تساعدها:

-جمهور سريع التصديق، قليل التحقق، يميل إلى تبني الروايات السلبية، خصوصًا إذا بدت “صادمة” أو “مخفية”.

كثيرون يعيدون النشر بدافع الفضول أو الغضب أو حتى الوطنية، دون أن يدركوا أنهم يساهمون في ترسيخ أكاذيب تبقى عالقة في الذاكرة، حتى لو تم تكذيبها لاحقًا — وذلك بفعل ما يعرف بـ”تأثير النائم” (Sleeper Effect)، حيث تُنسى المصادر وتبقى المعلومات، ولو كانت زائفة.

أمثلة ذلك كثيرة:

-من قصة “الأكفان التي أُرسلت لغزة” والتي تبيّن لاحقًا أنها جزء من مستشفى ميداني متكامل،

-إلى اتهام الأردن بوضع علمه على مساعدات ليست له، في تجاهل واضح للجهود الجبارة التي قادتها العشائر، والأحياء، والهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، والتي يعلمها الله ويشهد لها كل صادق.

*ومن أكثر الأكاذيب التي رُوّجت مؤخرًا، ما نشرته شبكة “رصد”

— التي يتابعها أكثر من 5.5 مليون على منصة “إكس” — في تقرير مصوّر زعمت فيه أن الأردن يربح من إنزال المساعدات إلى غزة، تحت عنوان:

“400 ألف دولار لكل إسقاط جوي، كيف تربح الأردن من مساعدات غزة؟”

هذا التقرير استند إلى ادعاءات نشرها موقع Middle East Eye الذي يديره صحفيون معروفون بميول سياسية وانحيازات مسبقة، وبعضهم من تيارات الإسلام السياسي، مما يثير تساؤلات حول مصداقية التقرير.

وقد زعم التقرير، دون أي توثيق، أن الأردن يفرض رسومًا على المساعدات، وأن مساهماته “ضئيلة”، متجاهلًا مئات الشاحنات والإنزالات الجوية التي نفذها سلاح الجو الملكي الأردني، والتي أشرف على بعضها الملك عبدالله الثاني شخصيًا.

ورغم محاولة التقرير الظهور في ثوب “تحقيق استقصائي”، إلا أنه فشل في ذكر أي اسم أو وثيقة أو دليل مادي، بل استخدم عبارات مثل “قال مصدر مطلع” و”أشخاص لديهم معرفة بالملف”، وهي العبارات التي يلجأ إليها من لا يملك سندًا حقيقيًا.

وبتحقيق بسيط، نجد أن لا وسيلة إعلامية موثوقة — لا محلية ولا دولية — أيدت هذه المزاعم، بل على العكس:

-التقارير تشير إلى أن الأردن لا يفرض أي رسوم،

-ويتحمل التكاليف والمخاطر،

-ويُواجه ضغوطًا هائلة لمنعه من الاستمرار في هذا الدور الإنساني النبيل.

*من المؤسف أن هذه الأكاذيب تجد من يروجها دون تثبت، إما عن حسن نية، أو لأسباب أيديولوجية، أو بدافع الخصومة السياسية مع الدولة أو مع رموزها.

ومع ذلك، لا بد أن يبقى الخط الفاصل واضحًا: بين النقد وبين التخوين، بين المطالبة بالإصلاح وبين نشر الأكاذيب.

الوطن ليس خصمك.

قد تختلف مع السياسات، مع الإدارات، مع القرارات — وهذا حقك.

لكن لا تسحب هذا الخلاف على دولةٍ لم تتوقف يومًا عن القيام بواجبها، في أصعب الظروف، وبأقل الإمكانات.

الدفاع عن الأردن ليس حيادًا، بل موقف.

ونشر الحقائق في وجه الإشاعة ليس تزلفًا، بل أخلاق.

والوعي اليوم، لم يعد ترفًا، بل صار واجبًا.

إيّاك أن يتلاعبوا بك يا ابن العم !

“وكُل اردني هو ابن عمي ودمي”:

*هل تذكرون حين لفّقوا صورًا للرئيس العراقي الراحل صدام حسين جالسا في فندق قبل القبض عليه؟

وهل نسيتم حملة التشويه التي استهدفت المملكة المغربية بعد زلزال الحوز؟

بل حتى حملات التزوير التي لاحقت المقاومة الفلسطينية، واتهامها زورا باستخدام المستشفيات دروعا بشرية، قبل أن تُكذّبها لاحقا تقارير دولية مستقلة؟

*كلها نماذج لذات المدرسة: الكذب، ثم التضخيم، ثم التكرار حتى يختلط الباطل بالحق، والضحية دائما من لا يملك ماكينة إعلامية ضخمة ولا يُتقن فن الكذب المضاد.

والأردن، الدولة الصغيرة بمواردها، الكبيرة بمواقفها، ظلت دوما في مرمى هذه السهام.

لأنها دولة تملك موقفًا أخلاقيًا ثابتا، ولأن ملكها – شئنا أم أبينا – يمثل رمزًا لسيادتها، وله رمزيته عند أهلها.. فغير مقبول من أي جهة- أيّا كانت- أن تزُجّ باسمه في خصومات انتقائية مريضة.

لم تعد معارك اليوم تُخاض على الأرض فقط، بل في فضاء مفتوح تعجّ به الأكاذيب، ويُعاد فيه تشكيل الوعي العام بخيوط خفية تنسجها جهات لا تتمنى لنا الخير.

الأردن، كما كل بلد عربي مُسلم آمِن ومُستقر وبمعزل عن وضعه الاقتصادي او وجود بعض الأخطاء فيه او الخطايا.. بات مستهدفًا بحملات تزييف ممنهجة، تُصاغ بدهاء وتُروّج عبر مواقع مريبة وصحف مشبوهة، كثير منها لا يعيش إلا على الاصطياد في مياه الجهل والتسرع واستغلال ان الأغلبية ممن يصدقونهم هُم من الرعاع والغوغاء ممن لا شيء في حياتهم الا النقر على هواتفهم وشتم الجميع..

المؤلم ليس في الأكاذيب ذاتها، بل في سرعة تلقّفها من أبناء جلدتنا، الذين – بغير قصد أحيانًا – يتحولون إلى أبواق لخصوم بلادهم.

إشاعات تبدأ من لا شيء، تُقتطع من سياق، أو تُبنى على صورة مفبركة أو مقطع مجتزأ، ثم تنتشر انتشار النار في الهشيم، لتُحدث شرخًا في الثقة، وغبارًا يحجب الحقيقة !

من قال إن الأردن أرسل “أكفانًا” للضفة؟

ومن ادعى أن المساعدات التي توزّع ليست أردنية؟

ومن روّج أن الإنزال العسكري كان خارج غزة؟

ومن اختلق رواية أن المستشفى الميداني الأردني يُقصي الناس؟

ومن سبب عبارة ( ملك البندورة) التي يُطلقها السُخفاء كل قليل؟!

كلها روايات انكشفت، وسقطت واحدة تلو الأخرى عند أول مواجهة مع الحقيقة.

لكنها رغم ذلك، تظل عالقة في الأذهان بفعل “السم البطيء” الذي تزرعه الصحف الصفراء: معلومة زائفة، تُكرر حتى تبدو مألوفة، ثم تُغرس في الذاكرة.

والأدهى أن هذه الحملات تُدار أحيانًا باحتراف، عبر ما يُعرف بـ”حرب التأثير”، حيث لا يُطلب منك أن تكره وطنك فقط .. بل أن تشك فيه وتُشكك فيمن لا يكرهونه ويتداولون الأكاذيب ضدّه ..

أن تفقد إيمانك بما يُقدمه،

أن تسخر من رموزه الوطنية،

أو تتداول أكاذيب عنه دون أن تكلّف نفسك عناء التحقق.

لكن، من أحب بلده لا يقف صامتًا حين يُشوّه.

من يعرف معنى السيادة لا يبتلع رواية بلا مصدر.

ومن يعرف الأردن حقًا، يعرف أن هذا البلد – رغم قلة موارده – لم يتخلَّ يومًا عن أمته، ولا تنكّر لقضية، ولا تاجر بمعاناة.

ورسالتي هنا لا تخص الأردن وحده، بل كل من لا يزال يصدّق أن الصحيفة التي تسيء لبلدك اليوم، هي ذاتها التي غسلت عقلك -خدمة للوهم- طيلة سنوات سابقة، أنجاك الله منها بفضله وبكرمه !!

فكيف تصدقها حين تتحدث عن وطنك؟

وما قيمة التضامن إن كان ثمنه خيانة من وقف معك؟

ثم من أعطى أحدًا الحق في التطاول على رمز الدولة، أيًا كانت رؤيتك له؟

هذا لا علاقة له بالحب أو الكره، بل بالحدود التي لا يجب أن تُمس، ولا تُخترق.

أحب الملك أو لا أُحبّه .. هذا شأن قلبي..

ولكن الإحترام والخطاب الحسن هو أساس الإصلاح إن كنت تُريد إصلاحا !

أيها القرّاء، الحذر ليس شكًا، بل وعي.

والتشكيك ليس بطولة، بل خيانة إذا كان بلا دليل.

والصحف التي تبني مجدها على جثث الحقائق لا تستحق أن نقرأها، بل أن نُحذر منها.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ..

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

منهج الرافعي في تحسين أسلوب الكتابة وقوة الإنشاء

تحتل الرغبة في التمكن من الكتابة بأسلوب قوي بليغ، مكانة كبيرة لدى قطاع كبير من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *