أموال الموت الإماراتية…إلى أين؟

– هناك دول تُعوّل على حفتر لهزيمة الإسلام السياسي، وتحقيق مكاسب اقتصادية في إعمار ليبيا ما بعد الحرب، ومنع الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
– رغم فشله في تحقيق أهدافه العسكرية، يتوقع استمرار الدعم الإماراتي لحفتر وتسليحه بغطاء دبلوماسي فرنسي ودعم لوجستي روسي، ربما يصل إلى الإيعاز للأسد بالمشاركة لصالحه تعبيرا عن الجهد المشترك في مواجهة تركيا.
– رغم صغر مساحتها وقلة عدد سكانها، تستحوذ دولة الإمارات على ما يصل إلى 3.4 في المائة من حجم الإنفاق العسكري في العالم، وهي ثامن أكبر دولة بحجم الإنفاق العسكري في العالم ما بين عامي 2015 و2019.
– توفر الإمارات مقاتلين أجانب “مرتزقة” من جنسيات عدة تتولى نقلهم إلى ليبيا للقتال إلى جانب قوات حفتر، بينهم مرتزقة “فاغنر” الروسية وميليشيا الجنجويد السودانية ومن تشاد وجنوب إفريقيا وكولومبيا ودول أخرى.
– تعد الولايات المتحدة أكبر مورد للأسلحة إلى الإمارات بما يزيد عن 60 في المائة من مجموع استيرادها للأسلحة من دول العالم منذ عام 2009 إلى اليوم.

مع هذه السلسلة من الهزائم العسكرية التي مُنيت بها قوات اللواء المتمرد خليفة حفتر، تكون قوات الحكومة الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة قد فرضت سيطرتها على كامل الغرب الليبي بعد مضي أكثر من 14 شهرا على إعلان حفتر الهجوم الواسع على العاصمة طرابلس في أبريل من العام الماضي، حيث حققت قواته على إثر ذلك تقدما تدريجيا بطيئا باتجاه العاصمة قبل أن تعقد الحكومة الليبية اتفاقا للتعاون مع الحكومة التركية في 26 نوفمبر من العام الماضي لتقديم الدعم العسكري.


وأدى الاتفاق الى تغيير كبير في موازين القوى العسكرية لصالح الحكومة بالتقدم واستعادة المواقع الاستراتيجية في غرب وجنوب طرابلس.
وتدعم كل من الإمارات وروسيا ومصر قوات خليفة حفتر بشكل أساسي، بجانب دعم متفاوت من السعودية واليونان وفرنسا، لكن الهزائم العسكرية الأخيرة “قد” تضع مصداقية حفتر على المحك أمام الدول الداعمة، الإمارات ومصر أولا.


وتعول دول عربية وغير عربية على قدرات خليفة حفتر واستعداده لاستخدام القوة “الغاشمة” لهزيمة حركات الإسلام السياسي والتنظيمات المتطرفة، وتحقيق مكاسب اقتصادية من قطاع الطاقة والمزيد من عقود إعادة الإعمار بعد أي تسوية سياسية، بالإضافة إلى تبديد مخاوف دول الاتحاد الأوروبي من الهجرة غير الشرعية إلى دولهم عبر السواحل الليبية واحتمالات انتقال إرهابيين من دول عربية أو إفريقية إليها.

وعلى الرغم من فشله، فمن المتوقع أن تواصل دول عدة، منها الإمارات، إنفاق المزيد من الأموال لدعم قوات حفتر وتسليحه بأسلحة ثقيلة ونوعية من مخازنها، أو توريدها من دول أخرى لصالحه بغطاء دبلوماسي فرنسي ودعم لوجستي روسي قد يمتد إلى الإيعاز لنظام بشار الأسد بمواصلة إرسال جنود من قواته لدعم قوات خليفة حفتر، في خطوة رمزية تعبر عن الجهد المشترك في مواجهة تركيا.
وبصفته الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد يستحوذ على حقول نفط إمارة أبو ظبي التي تشكل ما يصل إلى 6 في المائة من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، حسب تقارير.

وعلى الرغم من صغر مساحتها (71 ألف كيلو متر مربع) بعدد سكان أقل من 10 ملايين نسمة (يشكل السكان الأصليون منهم نسبة أقل من 12 في المائة)، تستحوذ دولة الإمارات على ما يصل إلى 3.4 في المائة من حجم الإنفاق العسكري في العالم، وهي ثامن أكبر دولة بحجم الإنفاق العسكري في العالم ما بين عامي 2015 و2019، بحسب مصادر متخصصة,

ومن المتوقع أن تخفض الإمارات حجم إنفاقها العسكري هذا العام بسبب تداعيات أزمتي جائحة كورونا وحرب الأسعار، ما يلقي بظلاله على الأداء العسكري المتوقع لقوات خليفة حفتر، وهو ما سينظر إليه على أنه هزيمة لمشروع الإمارات في ليبيا، حيث يهمها توسيع نشاطاتها في حوض شرق البحر الأبيض المتوسط عبر ميناء بنغازي من خلال مؤسسة موانئ دبي العالمية التي تحقق أرباحا سنوية تتجاوز 1.3 مليار دولار، وفق بيانات رسمية.


ووثق تقرير “سري” للأمم المتحدة نشرت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية بعضا من محتواه منتصف مايو الماضي، حول تشغيل دولة الإمارات جسرا جويا لتوريد السلاح إلى حليفها في ليبيا، وكشف أن خبراء من الأمم المتحدة يحققون في 37 رحلة جوية إماراتية من أصل مئات الرحلات الموثقة في مواقع تتبع الطيران خلال شهري يناير وفبراير الماضيين.


وتحدث التقرير عن توظيف الإمارات لشبكة من الشركات الوهمية، وشركتين من شركات الحماية الأمنية الخاصة، لتزويد قوات خليفة حفتر بالمروحيات والطائرات دون طيار وتحسين قدرات قواته في الحرب الألكترونية.


وحسب تقارير من مصادر أخرى، دفعت الإمارات خلال السنوات الماضية لتمويل حروبها الخارجية – من دول غير الولايات المتحدة – أثمان أنظمة دفاع جوي روسية من طراز “بانتسير”، ومروحيات من جنوب إفريقيا وأعداد أخرى من جمهورية بلاروسيا، وطائرات مسيرة روسية وصينية، بالإضافة إلى طائرات نقل عسكري روسية الصنع، مع كميات من الذخيرة والصواريخ المضادة للدروع من عدة مصادر.
إلى جانب ذلك، توفر الإمارات مقاتلين أجانب “مرتزقة” من جنسيات عدة تتولى نقلهم إلى ليبيا للقتال إلى جانب قوات حفتر، بينهم مرتزقة “فاغنر” الروسية وميليشيا الجنجويد السودانية ومن تشاد وجنوب إفريقيا وكولومبيا ودول أخرى.


وتعد الولايات المتحدة أكبر مورد للأسلحة إلى الإمارات بما يزيد عن 60 في المائة من مجموع استيرادها للأسلحة من دول العالم منذ عام 2009 إلى اليوم، حيث أبرمت الدولتان 32 صفقة أسلحة بقيمة تتعدى 27 مليار دولار أمريكي، منها نحو 100 طائرة “أباتشي” و16 مروحية نقل أفراد من طراز “شينوك”، وأكثر من 30 ألف قنبلة ونحو 4600 مركبة ناقلة جند مقاومة للألغام ونظام دفاع جوي من طراز “ثاد”.


وتأتي فرنسا في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة بين موردي الأسلحة للإمارات، بينما تحتل روسيا المرتبة الثالثة حيث زودتها بـ 50 منظومة “بانتسير” للدفاع الجوي ومعدات أخرى منها صواريخ مضادة للدبابات.


التدخلات الإماراتية المصحوبة بإنفاق مالي كبير تتعدى دعم الانقلابات العسكرية، كما في دعم الانقلاب في مصر عام 2013، إلى خوض حروب الوكالة في الصومال وأفغانستان ضد تنظيمات جهادية، وإلى اليمن لدعم القوات الانفصالية في عدن والجنوب، وإلى ليبيا لدعم خليفة حفتر في حربه على الحكومة الليبية، وإلى دول أخرى لتأمين وحماية مصالح الإمارات وشركاتها العابرة للحدود.


أدى الإنفاق المالي الإماراتي المتزايد على حروبها الخارجية إلى أزمة اقتصادية فاقم منها عاملان آخران، هما: جائحة كورونا التي تسبب بإغلاق كامل للنشاط الاقتصادي، وحرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا التي أدت لتراجع حاد بالأسعار ، حيث تشكل عائدات النفط أكثر من 90 في المائة من إيرادات دولة الإمارات.

ودفع تراجع إيرادات النفط الإمارات للاقتراض وإصدار سندات سيادية بقيمة 7 مليارات دولار.

ليس من المؤكد أن سيطرة قوات الحكومة الليبية على الغرب الليبي ستنهي الصراع الداخلي في ليبيا مع استمرار قوات حفتر بالسيطرة على الشرق الليبي وأجزاء كبيرة من الجنوب، حيث تتمركز فيهما مصادر الطاقة (النفط والغاز) التي تشكل نحو 94% من موارد البلاد في بلد يحتل المرتبة الخامسة عربيا باحتياطي يبلغ حوالي 48.36 مليار برميل، وفق بيانات “أوبك”.

لذلك، قد تحاول الإمارات القفز على خسارتها “الحتمية” في ليبيا من خلال تشجيع حفتر على فرض أمر واقع في الشرق الليبي بما يشبه حالة التقسيم، أو السعي باتجاه تقسيم ليبيا إلى دولتين أو أكثر، مع استمرار استحواذه على الثروات النفطية ودعم تتويجه كمصدر شرعي للنفط إلى الأسواق العالمية، بما يضمن للإمارات مساحة أكبر من عمليات إنتاج النفط وتسويقه من مناطق الهلال النفطي، لتعويض ولو جزء يسير من خسائرها الصخمة.

لكن كل تلك المخططات ستصطدم حتما بمواقف تركية قوية وداعمة للحكومة الشرعية في ليبيا المعترف بها دوليا.

استنزفت الإمارات العربية المتحدة، جزءا هاما من سيولتها المالية خلال السنوات العشر الماضية، على التسلح في وقت لم تشارك فيه البلاد بأية عمليات عسكرية رسمية، إلا في اليمن.

لكن التدخلات الإماراتية في دول مثل ليبيا على سبيل المثال، جعل منها ممولا رئيسا للحرب هناك وتصاعد حدة التوترات السياسية والأمنية، ضد جهود دولية لإطفاء نار الحرب المشتعلة منذ سنوات.

وبلغت واردات الإمارات 4.98 مليار دولار آخر خمسة سنوات، أي منذ 2015 وحتى 2019، بالتزامن مع دخولها حربا في اليمن ضمن تحالف دولي.

ولا تشمل تلك البيانات، أية نفقات إضافية على قواتها العسكرية، أو تمويل أية توترات سواء في ليبيا أو اليمن.

وتُظهر بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، أن الأرقام تأتي، على الرغم من تراجع واردات الإمارات من الأسلحة 46 بالمئة في 2019 إلى 644 مليون دولار، بعد ارتفاعها 24 بالمئة في 2018 عند 1.2 مليار دولار.

ومنذ 26 مارس/ آذار 2015، يشن التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات عمليات عسكرية في اليمن ضد الحوثيين بعد بسط نفوذهم على العاصمة صنعاء ومناطق أخرى بقوة السلاح.

وحسب مسح “الأناضول” استحوذت الولايات المتحدة الأمريكية على قرابة ثلثي قيمة الأسلحة التى استوردتها الإمارات خلال الفترة المذكورة، حيث بلغ نصيبها 3.37 مليارات دولار، تمثل 67.7 في المئة من واردات السنوات الخمس.

وتُعد الإمارات أحد أكبر الحلفاء المقربين للولايات المتحدة في المنطقة، خاصة بعد تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرئاسة في 2016.

والإمارات، ثالث أكبر منتجي النفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” بعد السعودية والعراق، بنحو ثلاثة ملايين برميل يوميا.

وتتضرر إيراداتها منذ منتصف 2014، وتعمق ذلك مع فقدان الخام ثلثي قيمته خلال الربع الأول من 2020، في أسوأ أداء فصلي على الإطلاق بسبب جائحة “كورونا”.

وتوقع مصرف الإمارات المركزي ،الأربعاء، انكماش اقتصاد البلاد 3.6 بالمئة هذا العام بعد تباطؤ النشاط الاقتصادي بسبب جائحة فيروس كورونا.

وتوقع البنك انكماش نمو غير قطاع الطاقة 4.1 بالمئة في 2020، والناتج الإجمالي لقطاع النفط والغاز 2.4 بالمئة هذا العام.

ولمواجهة “كورونا” كانت حكومة أبوظبي قد أعلنت عن حزمة تحفيز اقتصادي بقيمة 13.5 مليار دولار، كما اتخذت حكومة دبي مجموعة من الإجراءات لدعم قطاعات الطيران والعقارات.

** 2015 الذروة

وسجلت واردات الإمارات من الأسلحة ذروتها في عام 2015 عند 1.22 مليار دولار، ثم تراجعت 22 بالمئة إلى 955 مليون دولار في 2016.

وفي 2017 ارتفعت 1 بالمئة إلى 965 مليون دولار، و24 بالمئة إلى 1.2 مليار دولار في 2018، بينما انخفضت 46 بالمئة إلى 644 مليون دولار.

وتطورت حصة الولايات المتحدة من 66.4 بالمئة في 2015، إلى 69 بالمئة في 2016، و62.5 بالمئة في 2017، و76.5 بالمئة في 2018 (أعلى حصة من الواردات العالمية)، فيما بلغت 59.5 بالمئة في 2019.

في المقابل، وبتاريخ 19 أبريل/ نيسان الماضي، أعلنت إمارة أبوظبي عن إصدار سندات سيادية متعدّدة الشرائح، بقيمة إجمالية بلغت سبعة مليارات دولار أميركي (نحو 25.7 مليار درهم).

بينما في 2 يونيو/ حزيران الجاري، أعلنت أبوظبي، إصدار سندات سيادية متعدّدة الشرائح بقيمة إجمالية بلغت 3 مليار دولار، وذلك من خلال إعادة فتح برنامج إصدار السندات الذي طرحته مؤخراً.

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

خيارات العرب في مواجهة الفقر المائي

– تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 17 من أصل 22 دولة عربية تعيش على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *