ولا تستكثروا عليّ أني لا أُطيق أوصافا بها لا تليق …
عشقتها…
عشقت فيها صباي وصبابتي، ومنهجا وازيتُه فاتَّزنت…
كانت لي مهد قلب، ومأوى جسد، ومأمن غزالة شاردة…
وكاختلاف ألوان الطيف، لم تُخطئ عيناي تلك الوجوه التي أتت من الجهات الأربع، بحثا عن الأرزاق، أو التماسًا للعيش الآمن، أو تلبية لنداء الشوق، فيأوي المرتحل ويحط رحاله على ذلك الصعيد، فثمّ الوطن.
ولمـّـا أزف الرحيل، فارق الجسد وبقيت الروح يُهدهدها الحنين إلى العودة، ويُسْكن لوعتَها عبقُ الذكريات، شقيقات وُلِدن هناك، وأشقّاء شبّوا على البرّ والخَمسِ جماعة، وارتوت عظامهم بالباقيات الصالحات، والعقل الناشئ في غمرة الانتظار يتابع مجريات الأمور.
فلما اشتدت عيدان الفكر قليلا، كانت النظرة إلى تلك البلاد بمقدار وزنها الثقيل، فهي من تتجه إليها الأبصار حين المُلمات، ولا فوزَ ولا نصرَ ولا عبور لأي نواة لفكرة لوَحدة إسلامية إلا من خلال تلك الديار ..
الأرض تبقى….
والشعب يبقى….
الفكرة تبقى ..
والعروش يتناوب عليها المُصلح والمُفسد، الصادق والمنافق، المُخلص والمُتلاعب، فما دامت لأحد، ومن علاها اليوم، فغدا تكون منه شاغرة..
فكان الأصل الثابت في القلب أرض وشعب، بيننا حبل الوريد، لا أمير عقيم الفكر، ولا ملك قليل الحيلة، ولا نظام تتقاذفه أمزجة السماسرة الأكابر في عرصات البيت الأبيض..
أكرر :
الأصل الثابت أرض وشعب، وأما الحُكّام فمنزلتهم يُحددها المسعى والمسلك..
فما وافق أحلام الأمة وتطلعات ذلك الشعب صرتُ من ذخائره، ومن حاد حدتُ، واستبقَيتُ النصح والتزمتُ قواعد الأدب، ومِلتُ عن جذْبات النفاق، وآثرتُ الصدع بالحق إلى أن يفيء الشارد ويعود الغائب.
تلك الحدود الفاصلة لم ترُق لبعض بني ديني ودمي، وخلطوا بين الولاء والموافقة، وبين الشقاق والمخالفة، ووجدوا في الإنكار عداوة، وفي النقد جفاء، فأرادوا لي أن أكون ريشة في مهب مقاصدهم، فلذا تبدلت الأحوال، وعاداني الصديق، وجافاني القريب، وأبتْ قلوب استوطنتها إلا أن تلفظ ودادي، فكنت على حال المصطفى المختار حين خرج من مكة مودعًا وَرَاثيًا: (إنكِ لخير أرض الله وأحب أرض إليّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت).
عندما ينجلي الغبار، ستعلمون من الكذاب الأشر، ومن باع ومن زاغ ومن تآمر ومن غدر.. وعند الله موعدنا، عنده سبحانه تجتمع الخصوم …
كلمات هزت مشاعري، حقيقة لم اقرأ أجمل ولا أرق إحساسا من هذه المقالة. والله إنها تستحق أن تخط بمداد من ذهب، ولو سنحت لي الفرصة لعلقتها في صدر مجلس الضيافة في بيتي. كلمات تخرج من نفس طاهرة تعلقت بأرض طاهرة. أرض الأجداد، ولكن حكموها ثلة من القوم قليلي الحيلة فاقدين بوصلة الحق.. لا نعلم لما تنتهي إليه الأمور. ولكن يقيني أن للباطل حبل لن يطول أكثر إلا وينتهي، فصبراً جميلاً. هذه المقالة لاتثمقلك أنت فحسب، بل هي لكل من تربى وإرتوى بهذه الارض من عبق ريحانها وتراثيها، لكل من أوجعه قلبه لفراقها. إنها أرض سيدنا وجدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. والله لقد أوجعتيني يأمة الله.
لله درك من إمرأة طاهرة مبدعة تخطف القلوب قبل العقول. الله نسأل أن يمدك من بركاته وعظمته ويجعلك عظيمة في أعين أعداءك ويزيدك من احباك.
والحمد لله على نعمائه