من غير المستبعد أن تواصل إسرائيل مهاجمة أهداف على صلة بإيران في العراق، أو أي أهداف أخرى تعتقد تل أبيب أنها تهدد مصالحها الحيوية وأمنها القومي.
ومنذ تصاعد حدة التوترات بمنطقة الخليج بعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران ضمن حملة “الضغط القصوى” في أيار / مايو الماضي بعد عام من انسحاب دونالد ترامب، من الاتفاق النووي، اتجهت سياسات إسرائيل إلى لعب دور أكبر في مواجهة تهديدات طهران بالمنطقة إلى جانب الولايات المتحدة ودول حليفة لها، السعودية والإمارات.
من المقرر أن تشارك إسرائيل بالتحالف الأمريكي الجديد لتأمين الممرات البحرية بالخليج العربي والبحر الأحمر، أو ما يعرف باسم عملية “الحارس” التي دعت لها واشنطن في 9 يوليو / تموز الماضي أكثر من 60 دولة وسط استجابة تبدو ضعيفة حيث اقتصرت على أقل من 10 دول حتى الآن، منها إسرائيل.
تركز الاستراتيجيات الإسرائيلية على استهداف معسكرات ومواقع في سوريا والعراق لمنع نقل التقنيات المتطورة إلى “حزب الله” في لبنان، ومنع الفصائل المرتبطة بإيران من العمل قرب مرتفعات الجولان السورية.
واتسع النفوذ الإيراني في المنطقة عبر العراق، أو انطلاقا منه إلى باقي مناطق النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان واليمن أيضا.
وفي الاستراتيجيات الإيرانية، فإن كلا من العراق والخليج العربي يشكلان عمقا استراتيجيا لضمان أمنها القومي، ومجالين لنفوذها التقليدي في المنطقتين، لذلك ترى إيران في الضربات الإسرائيلية على مواقع القوات الحليفة لها في العراق بأنها عدوان عسكري وتهديد لأمنها القومي.
وتواصل طهران تكذيب الروايات الإسرائيلية رغم الاعتراف بمقتل عناصر أو قيادات في “الحرس الثوري” الإيراني، بسوريا أو العراق، دون الإشارة إلى ظروف مقتلهم.
وتتحدث قيادات في الحرس الثوري، منهم اللواء محسن رضائي، أن إسرائيل والولايات المتحدة ليست لديهما القدرة على مهاجمة المواقع الإيرانية المختلفة، وأن ما يقال عن ضربات إسرائيلية لم تلحق أي أضرار في المراكز المنتشرة في سوريا والعراق والتي تصفها طهران بأنها مراكز “استشارية”.
وتعتقد إيران أن الضربات الإسرائيلية ومشاركة تل أبيب في التحالف البحري الجديد، تشكلان تهديدا جديا لأمنها القومي وامتدادا لحملة “الضغط القصوى” قد يدفعها (إيران) إلى تعديل سياساتها التي اكتفت حتى الآن بردود أفعال سياسية مع مواصلة عدم الاعتراف رسميا بالضربات التي تعرضت لها مواقع مشتركة للحرس الثوري والفصائل المرتبطة به في سوريا والعراق.
وبالإضافة إلى نحو 250 ضربة جوية وصاروخية استهدفت معسكرات ومواقع لفصائل مسلحة مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني في سوريا، نفذت إسرائيل أربع هجمات تناولتها وسائل إعلام محلية عراقية، على مواقع لفصائل “الحشد الشعبي” مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، مثل كتائب “حزب الله العراق”.
في حين تشير تقديرات مراقبين أن هناك نحو 17 ضربة، يُعتقد أنها إسرائيلية، تعرضت لها فصائل الحشد الشعبي خلال الأشهر الماضية.
ولم تؤكد إسرائيل رسميا دورها في الهجمات التي تعرضت لها مخازن للأسلحة ومستودعات لصواريخ بالستية مخزنة في مواقع لفصائل الحشد الشعبي في العراق مع وجود تشابه بين هذه الضربات.
والضربات الأخرى التي نفذتها إسرائيل في سوريا طيلة أكثر من عام وثمانية أشهر تجاوزت المائتي ضربة.
وفي الأول من أغسطس / آب الجاري، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية أن الحرس الثوري الإيراني نقل إلى مواقع تابعة للحشد الشعبي في العراق صواريخ بالستية وأخرى مضادة للطائرات، بهدف التصدي للطائرات الإسرائيلية.
ووفق المصدر ذاته، فإن نقل هذه الصواريخ جاء بعد تصريحات أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، نهاية يوليو / تموز خلال تواجده في أوكرانيا قال فيها إن “إيران التي تهددنا دائما وتقوم ببناء قواعد لإطلاق الصواريخ على إسرائيل ليس لديها حصانة، وسنعمل ضدها في أي مكان”.
وفي مقابلة مع القناة التاسعة الإسرائيلية في 22 أغسطس / آب، أقرّ نتنياهو “ضمنا” بمسؤولية بلاده عن الضربات التي تعرضت لها معسكرات الحشد الشعبي في العراق.
وأشار نتنياهو آنذاك أن إسرائيل “تعمل الآن في مناطق كثيرة ضد دولة (إيران) تريد إبادتنا”، وأنه أصدر توجيهاته “بفعل أي شيء ضروري لإحباط خطط إيران”.
لكن القادة الإسرائيليين لم يعلنوا حتى الآن عن مسؤوليتهم المباشرة عن هجمات تعرضت لها مواقع الحشد الشعبي في يوليو الماضي وأغسطس الماضيين.
لكن هناك الكثير من المؤشرات التي تشير إلى أن إسرائيل هي من نفذت الهجمات الأربع المعلن عنها على معسكرات للحشد الشعبي.
فقد حمّل نائب رئيس هيئة الحشد “أبو مهدي المهندس”، الذي ينظر إليه على أنه القائد الفعلي للحشد، كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل المسؤولية عن الهجمات المتكررة على فصائل الحشد بالعراق.
ونشرت مواقع إسرائيلية صورا ملتقطة عبر الأقمار الصناعية أوضحت حجم الدمار الذي لحق بالمواقع التي تعرضت للهجمات والأضرار الكبيرة التي لحقت بها كمؤشر على مسؤولية إسرائيل التي لم تعلن رسميا مسؤوليتها عن ذلك.
وفي مرات عدة، يصرح مسؤولون عراقيون أن بلادهم تعمل على تجنب الانحياز إلى أي طرف من طرفي التصعيد في المنطقة، الولايات المتحدة وإيران، ورفض “سياسة المحاور وتصفية الحسابات، والنأي بالبلد عن أن يكون منطلقا للاعتداء على أي من دول الجوار والمنطقة”.
وتجنب المسؤولون العراقيون تحديد الطرف المسؤول عن الهجمات على مواقع الحشد الشعبي في العراق.
وفي اجتماع للرئاسات الثلاث، الجمهورية والوزراء ومجلس النواب، في 22 أغسطس، بعد تعرض معسكر تابع للحشد الشعبي قرب “قاعدة بلد الجوية” التي تستخدمها القوات الأمريكية، دعت تلك الرئاسات إلى “انتظار التحقيقات الجارية حول استهداف عدد من معسكرات الحشد الشعبي”، مكررة رفضها الحرب ومشددة على النأي بالعراق عن الصراعات التي تشهدها المنطقة.
ونقلت صحف أمريكية في 23 أغسطس / آب، عن مسؤولين أمريكيين أن إسرائيل نفذت أربع هجمات على مخازن ذخيرة لجماعات تدعمها إيران في العراق، خلال الأشهر الأخيرة، منها “قاعدة الصقر” في 19 يوليو الماضي قرب العاصمة، وهي قاعدة يستخدمها الحرس الثوري الإيراني لنقل الأسلحة إلى سوريا، وفقا للمسؤولين الذين أكدوا على تدمير شحنة صواريخ موجهة بمدى 200 كيلومتر.
وقدّر مسؤولون أمريكيون أن إسرائيل من المحتمل أن تكون متورطة في الهجمات التي استهدفت مقرات ومخازن أسلحة الحشد الشعبي.
وليس هناك ما يؤكد رضا الولايات المتحدة عن النشاطات الإسرائيلية في العراق.
كما يمكن لمواصلة إسرائيل شن هجمات على مواقع الحشد الشعبي في العراق أن يتسبب بردود أفعال ضد مصالح الولايات المتحدة الحليف الأكثر تبنيا للسياسات الإسرائيلية في المنطقة.
ومن المحتمل أن تهاجم قوات حليفة لإيران مصالح إسرائيلية أو أمريكية في المنطقة إذا استمرت إسرائيل بتوجيه مثل هذه الضربات في سوريا والعراق.
وفي 19 يوليو اجتمع المرشد الأعلى وكبار المسؤولين الإيرانيين مع قادة حلفاء من العراق وسوريا واليمن، وهو اجتماع غير عادي نقلت وسائل إعلام إيرانية أن المجتمعين “ربما” ناقشوا أساليب الرد على الهجمات الإسرائيلية واحتمالات “متوقعة” لتصعيد إسرائيلي أوسع نطاقا قد يشمل اليمن أيضا.
ويمكن أن تشهد الأسابيع القادمة ردود فعل إيرانية في سياقات تتعدى المواقف السياسية إلى ردود عسكرية قد تكون أولى بوادرها، إعلان إسرائيل، السبت 24 أغسطس، أنها نفذت ضربات على مواقع في سوريا ردا على محاولة طائرات مسيرة اختراق الأجواء الإسرائيلية في منطقة الجولان، ومن ثم إعلان “حزب الله” إسقاط طائرتين مسيرتين إسرائيليتين فوق ضاحية بيروت الجنوبية.