تجاوزت حرب اليمن عامها الخامس مع احتمالات ضعيفة في التوصل إلى تسوية سياسية حتى بعد مرور تسعة أشهر على اتفاق ستوكهولم الذي بعث “بعض” الأمل باقتراب الحل السياسي.
**كارثة إنسانية
أدت الحرب الأهلية في اليمن إلى كارثة إنسانية هي الأسوأ في العصر الحديث، وفق توصيف الأمم المتحدة، ومع غياب أي أفق لحل سياسي وعجز دول التحالف العربي لدعم الشرعية عن الحسم العسكري أو إرغام جماعة الحوثي الحليفة لإيران على الجلوس إلى طاولة مفاوضات تفضي إلى تسوية سياسية دائمة بديلا عن جولات المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة، والتي على ما يبدو ليست أكثر من محاولات لوقف تراجع الأوضاع الإنسانية للشعب اليمني.
فور تشكيل التحالف العربي لدعم الشرعية في مارس/آذار 2015، تحدثت السعودية عن سرعة حسم الحرب وأنها قد لا تستغرق سوى أيام أو أسابيع، وقد يكون هذا سببا أساسيا في دخول الإمارات ضمن التحالف كعامل فاعل يُنظر إليه على أنه الشريك الأول للسعودية في تحقيق النصر على جماعة الحوثي الحليفة لإيران والمدعومة منها.
إلا أن مرور أكثر من 4 سنوات، أثبت للإماراتيين قبل غيرهم أن الحرب قد لا يمكن حسمها عسكريا، وأن الطريق إلى نهاية الحرب وإحلال السلام سيكون عبر المسار الدبلوماسي فقط، وهو ما نقلت وكالات أنباء دولية عن مصادر إماراتية دون ذكرها بالاسم، أن قرار دولة الإمارات بالانسحاب الجزئي وإعادة نشر بعض قواته في اليمن هو انتقال من “إستراتيجية القوة العسكرية إلى إستراتيجية السلام أولا”.
طيلة سنوات استطاعت القوات الإماراتية تشكيل المزيد من التشكيلات القتالية الحليفة لها تقدر بنحو 90 ألف مقاتل يمني تلقوا تدريباتهم على يد القوات الإماراتية مع الإنفاق عليهم وتسليحهم.
وقد تكون هذه الأعداد من القوات اليمنية شبه العسكرية كفيلة بالحفاظ على مصالح دولة الإمارات في اليمن واستمرار نفوذها، خاصة في ميناء عدن بأهميته الاقتصادية، ومدينة عدن التي ينظر إليها على أنها العاصمة الجنوبية لليمن، وهي العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية التي تتخذ من العاصمة السعودية مقرا لإدارة شؤون الدولة اليمنية.
ركزت الإمارات على عدم الدخول في حروب مباشرة مع قوات الحوثي منذ إبعاده عن مدينة عدن ومحافظات أخرى في وسط وجنوب البلاد إلى معاقله الرئيسية في شمال اليمن بعد أسابيع من تدخل قوات التحالف العربي مارس 2015، والاكتفاء بتشكيل ودعم قوات محلية معظمها من أبناء قبائل عدن والمحافظات الجنوبية، بينما لعبت الدور الأكبر في قتال الجماعات المسلحة الإسلامية المتشددة، تنظيمي القاعدة وداعش.
**دور يتراجع
على الرغم من الدور القتالي المهم والمؤثر التي لعبته القوات الإماراتية في الأشهر الأولى من تشكيل التحالف العربي، غير أن دورها القتالي تراجع مع مرور الوقت لصالح دعم وزج القوات “الموازية” التي شكلتها في القتال ضد التنظيمات الإسلامية المتشددة وجماعة الحوثي.
في الوقت الذي تعد فيه دولة الإمارات الحليف الأهم، بل القائد المشارك إلى جانب السعودية للتحالف العربي لعودة الشرعية، فإن نية دولة الإمارات بالانسحاب الجزئي وإعادة نشر قواتها في اليمن يفهم منه عزم أكيد على تبني سياسة أكثر بعدا عن سياسات المملكة العربية السعودية في ملفات عدة، أهمها ملف اليمن والتوترات بين الولايات المتحدة وإيران في المنطقة.
قد تكون بوادر المحاولات الإماراتية للافتراق عن السياسات السعودية قد بدأت مع الهجمات التي تعرضت لها أربع ناقلات نفط في ميناء الفجيرة في شهر أيار/مايو الماضي لهجمات تشير تقارير أمريكية إلى وقوف إيران خلفها، وهو ما يتوافق مع سياسات التصعيد التي تنتهجها السعودية ضد إيران خلافا للسياسات الإماراتية التي تجنبت تحميل إيران مسؤولية تلك الهجمات، أو الهجمات التي أعقبتها على ناقلتي نفط في بحر عمان في يونيو/حزيران الماضي.
**إعادة انتشار
على الرغم من عدم وجود تصريحات رسمية سواء من قبل التحالف العربي في اليمن أو من قبل الحكومتين السعودية والإماراتية، فإن ثمة تقارير تشير إلى انسحاب جزئي لقوات إماراتية من اليمن وإعادة نشر ما تبقى منها في مواقع قريبة من العاصمة الجنوبية عدن أو في داخلها حيث تفرض دولة الإمارات عبر قوات شبه عسكرية وعبر المجلس الانتقالي الجنوبي نفوذها شبه الكامل على الملفات المهمة، الأمنية والاقتصادية والسياسية أيضا.
هناك ثمة مراقبون يتحدثون عن أن الانسحاب الجزئي الإماراتي من اليمن قد يكون تمهيدا لانسحاب كلي من الحرب في محاولة إماراتية لتجنب المزيد من الخسائر العسكرية والإنفاق المالي، إضافة إلى التخلص من المسؤولية أمام المجتمع الدولي، والذي بات يشدد على مسؤولية التحالف عن النسبة الأكبر من المأساة الإنسانية التي تعيشها اليمن مع مسؤولية أقل لجماعة الحوثي.
إضافة إلى ذلك، فإن دولة الإمارات قد تكون استجابت للتهديدات التي يطلقها قادة جماعة الحوثي باستهداف المصالح الإماراتية في أبو ظبي ودبي وغيرهما بعد سلسلة من الهجمات بطائرات مسيرة أو بصواريخ بالستية تعرضت لها مصالح ومطارات في العمق السعودي بلغت أكثر من 200 هجمة خلال أقل من عام، حسب تقارير إعلامية أكدت على نجاح جماعة الحوثي في نقل المعركة إلى الداخل السعودي وإمكانية نقلها إلى الداخل الإماراتي، وهو ما يثير قلق المسؤولين الإماراتيين.
ووفقا لتقارير إعلامية، لم تنسحب القوات الإماراتية بشكل كامل من اليمن، لكنها انسحبت من عدة مواقع لها على السواحل الغربية لليمن في مينائي الخوخة والمخا وتسليم تلك المواقع لادارة القوات السعودية بالقرب من ميناء الحديدة الإستراتيجي.
لذلك فإن الانسحاب الجزئي للقوات الإماراتية، أو انسحابها كليا في مرحلة لاحقة، قد لا تترتب عليه تغييرات في موازين القوة العسكرية لصالح جماعة الحوثي على الرغم من تحمل السعودية والقوات اليمنية الحليفة لها تبعات عسكرية أكبر في استعادة السيطرة على مدينة الحديدة والموانئ الثلاثة التابعة لها، والتي لا تزال الأمم المتحدة تعمل على تجنب تجدد العمليات العسكرية في المنطقة الإستراتيجية لأطراف الحرب.
ستحتفظ دولة الإمارات بوجود عسكري لمهام الاستشارات والقيادة والسيطرة وتأمين الدعم الاستخباراتي سواء لقوات التحالف العربي أو للقوات “الموازية” الحليفة لها والتي استطاعت الإمارات طيلة سنوات تدخلها العسكري في اليمن من تعزيز البنية التحتية لنفوذها في مناطق سواحل البحر الأحمر وخليج عدن، وفي قواعد عسكرية تستضيف المزيد من القطع البحرية والقوات الإماراتية في جزيرة بريم اليمنية قبالة قواعدها في ميناء عصب في إريتريا وبربرة في جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها دوليا.
من غير المستبعد أن تشهد الأسابيع القادمة تحولا إستراتيجيا في سياسات الإمارات الخارجية وفي علاقات التحالف مع السعودية التي احتكمت “سابقا” إلى المصالح المشتركة والتنسيق في ملفات المنطقة بشكل ينسجم مع قوة العلاقات الشخصية الوثيقة بين ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
بالتأكيد فإن القرار الإماراتي سيؤثر “سلبا” على العمليات العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، حيث ساهمت دولة الإمارات بشكل مكثف في الحملات الجوية التي استهدفت مواقع جماعة الحوثي وقدراتها على جمع المعلومات الاستخباراتية وتجنيد المقاتلين لدعم قوات التحالف التي تضم القوات اليمنية التابعة للحكومة الشرعية وعشرات المجموعات والفصائل المسلحة التي تقاتل بإشراف دولة الإمارات، وأهمها القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي الحليف لدولة الإمارات والذي يعيش حالة من الخلافات مع القوات التابعة للحكومة الشرعية الحليفة للسعودية.
في كل الأحوال، لا تبدو أية إشارات إلى احتمالات أن يكون هناك توتر بالعلاقات بين السعودية والإمارات مع التأكيد على استمرار التنسيق بين البلدين في ملفات مشتركة عدة، تأتي التوترات في منطقة الخليج العربي والتهديدات الإيرانية في مقدمتها.