“قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ”…

“قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ”….

ليست آية قُرآنية عن التنوُّع فقط، بل عن القدر الذي يتشكل داخل الإنسان فيسير وفقه دون أن يشعر…

فالمرء لا يتحرك وفق ما يتمنى، بل وفق ما صاغته تجاربه، وخيباته، وعلاقاته، وبيئته، وطباعه القديمة التي تراكمت في لا وعيه.

ولذلك قال ابن القيم عليه رحمة الله:

“إن الأعمال صور، والأرواح معانيها”

فالإنسان لا ينطق بلسانه فقط، بل بطبعه….

-الانطوائي… ليس صامتا بل عميقا …

هو الذي إذا تكلم لم يُثرثر، وإن أحبّ لم يُعلن، وإن غضب لم يصرخ…

روحه تمشي في الأزقة الداخلية، حيث لا يسمع أحد صوته إلا الله….

قال نيتشه:

“الأرواح العميقة تُحبّ العزلة، ففيها عالمها الكامل”

فالانطوائي ليس باردا، بل شديد الحرارة من الداخل…

لكنه يخشى أن يختلط وهجُه بضجيج العالم…

-الحسّاس جدّا… ليس ضعيفا بل نافذ …

هو الذي يلتقط اهتزاز الأشياء قبل أن تتحرك …

ويشمّ رائحة الحزن قبل أن ينطق صاحبه…

ويفهم الإشارة قبل العبارة….

قال الجاحظ:

“الفطنة ذكاء القلب”

والحساس قلبه فسيح، ولذلك يتألم بسرعة…

ولا يرى بعيونه فقط، بل بعين ثالثة اسمها “الإحساس” …

-المُنفتح اجتماعيا… ليس خفيفا، بل ممتلئا بالحياة …

هو الذي إذا دخل مكانا وسّعه ..

وإذا تكلم أنقذ غيره من صمته … وإذا ضحك أشرقت الجدران…

ليس بحاجة إلى عزلة كي يستعيد نفسه بل يستعيدها من الناس…

قال سقراط:

“تكلّم حتى أراك” …

*وبعض الناس حين يتكلم يصبح مرآة واضحة لحقيقته الجميلة…

-العقلاني التحليلي… ليس جامدا، بل حارسا للحقيقة

هو الذي يقيس قبل أن يندفع …

ويوازن قبل أن يختار …

ويُفكّك كل شيء حتى لا يقع في فخّ الوهم…

هو ابْنُ كلمة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: “قيمة كل امرئ ما يُحسن”

والإحسان عنده عقل لا ينام، وفكرة لا تستسلم…

-العاطفي… ليس ساذجا، بل إنسانا على الفطرة ..

هو الذي يُهزم بسرعة لكنه ينهض بسرعة أيضا …

صحيح …يتعب من كلمة،،و لكنه يُشفى من كلمة كذلك…

قال جبران:

“ما أشدّ سطوة القلب حين يتكلم”

وعاطفته ليست عبئا…بل دليل على أنه ما زال حيًّا في زمن مات فيه كثيرون

دون أن يُدفنوا.

فلسفة الآية أعمق من التصنيفات كلها ..

– “الشاكلة” ليست مزاجا ولا شخصية فقط إنها بصمة النفس ..

ما ورثه الإنسان، وما تعلّمه، وما جربه، وما نجا منه، هي مجموع الظلال التي صنعت طريقه…

وربّ العزة يقول: “قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ”

لتفهم أن سلوك الناس ليس ضدك، ولا من أجلك…

بل هو انعكاس لما هم عليه…

فلا تكن نسخة من غيرك، ولا تُحاسب أحدا على طبعه، ولا تكره اختلافك…

لأن اختلافك ليس عيبا ولا نقصا ولا سوء حظ، بل دليلك إلى الطريق الذي خُلقتَ له.

وفي النهاية…

أنت تعمل على شاكِلتك

وتحبّ على شاكلتك

وتتألم على شاكلتك

وتنجو على شاكلتك. ……

ولذلك كما قال أحدهم : “أنت صورتك… وما سواها ظلّ”

فكن أنت…

فالله خلق لك شاكلة ..

ولم يخلق منك نسخة ثانية.

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

عزيزي الزوج

عزيزي الزوج : الزوجة ليست مشروعا عليك عبء إدارته، ولا كائنا يُختبر صبره كل يوم.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *