الرئيسية / تقارير / السحرةُ الأتراك يُوجّهون كورونا إلى أوروبا!

السحرةُ الأتراك يُوجّهون كورونا إلى أوروبا!

(مرصد تفنيد الأكاذيب)

جهِلت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ومنظمة الصحة العالمية وكل القوى الراصدة لتداعيات انتشار فيروس كورونا، بسر تفشي الوباء في أوروبا حتى صارت بؤرة له، فقط اكتشفته صحيفة “عكاظ” السعودية، حين نشرت أمس الإثنين مقالا لكاتب محلي بعنوان “هل نشر السفاح أردوغان “كورونا” في أوروبا!

سنتجاوز كون العنوان متناقضًا باعتبار أن التساؤل يُنتظر أن يعقبه تحليل موضوعي وإصدار حكم بشفافية، لكنه بوصفه لأردوغان بهذا الوصف فقد نسف كل احتمالات الموضوعية، وقام بدور القاضي والجلاد.

المقال الذي جعل من الإنسان الأوروبي ضحية لألاعيب “الإدارة التركية” السحرية، يرى أن تركيا ماطلت في الاعتراف بالفيروس الذي اقتحمها عبر الرحلات السياحية القادمة من الشرق، وذلك بهدف التحضير لنقل الوباء إلى أوروبا، إذ أنها ماطلت في تعليق الرحلات مع الصين (بؤرة المرض آنذاك) ومع العواصم الأوروبية.

كما زعمت الصحيفة في حيثيات اتهامها الفريد من نوعه، أن تركيا صدّرت الفيروس لأوروبا عن طريق رحلات الطيران، وذلك بعد “انتشار” المرض في البؤر السياحية التركية، فـ”ماطلت” السلطات في إلغاء الرحلات مع العواصم الأوروبية كما “رفضت” تعليق الطيران مع الصين بؤرة الوباء، وأنها لم تعلن عنه مبكرا لاكتساب فسحة من الوقت ريثما ينتشر الفيروس في أوروبا “تفاديا لإثارة الشكوك”.

كما ادعى مقال الصحيفة السعودية أن أردوغان غزا أوروبا بفيروس كورونا عن طريق فتح حدود بلاده أمام اللاجئين للانتشار في أوروبا ونشر الوباء فيها.

والحقيقة تقول:

1- لا وجود لهذه المزاعم إلا في خيال أنظمة السعودية والإمارات ومصر التي تتخذ موقفا عدائيا من تركيا، نظرًا لأن المنابر الإعلامية بهذه الدول تستخف فيما يبدو بعقلية متابعيها، وإلا فإن تركيا على كثرة خصومها في الشرق والغرب، لم نسمع عن صدور مثل هذه التهمة من الإعلام الأمريكي ولا الروسي، ولا حتى إعلام أوروبا التي زعمت الصحيفة أن أردوغان غزاها بالفيروس، هذا مع وجود الداعي لهذه الدول الكبرى للمناكفة السياسية مع تركيا التي لها سياستها المستقلة.

2- ومن جهة ثانية، ما الذي يدفع أردوغان لنشر الفيروس في أوروبا؟ وما الذي يعود على تركيا بالفائدة من نشر الوباء الذي قد يترتب عليه تدمير اقتصاديات وسقوط دول؟

ليس من مصلحة تركيا نشر الدمار في أوروبا مع ما يربطها بالاتحاد الأوروبي من مصالح إستراتيجية، أبرزها أن تركيا عضو في الناتو، كما أن الاقتصاد التركي سيتأذى كثيرًا عندما يخسر الأسواق الأوروبية، إضافة إلى أن مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لا تزال مفتوحة عالقة.

3- ومن جهة ثالثة، هل يستحق تحقيق هذا الهدف أن يغامر أردوغان بدولته ويقامر بوضعه السياسي؟

إن تباطؤ القيادة التركية في الإعلان عن الفيروس واتخاذ التدابير الوقائية من أجل فسحة من الوقت لنشر الفيروس في أوروبا وفق زعم الصحيفة، لهو تفسير يفتقر لأدنى مُقوّمات المنطق والموضوعية، فكيف تسمح القيادة بانتشار الفيروس في تركيا وليس هناك من سبيل قائم للقضاء عليه، وانتشاره يعني تهديد الاقتصاد التركي بالدمار وانحسار حركة السياحة وتعريض الدولة لأكبر أزمة في تاريخها من شأنها أن تؤدي إلى سقوطها.

ولا ننسى أن هناك جزءًا أوروبيا للأراضي التركية، بما يعني أن تركيا تصدر الوباء ثم تستورده مرة أخرى، فهل يقول ذلك ذو مسحة من وعي؟

4- ثم لنا أن نتساءل: أين الجهات الرقابية عندما تمت التعمية على انتشار الفيروس في تركيا وفق زعم الصحيفة؟ فتركيا دولة مؤسسات، وحجم الرقابة على الجهاز التنفيذي كبير وصارم من قبل جهات مختلفة، فليست مثل هذه القضايا ببعيد عن أعين نواب المعارضة، ولا الصحف ووسائل الإعلام متعددة الاتجاهات والميول، ولا الإعلام البديل المتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي، فضلًا عن أعين الصحافة الأجنبية، فكيف يتسنى للسلطات الصحية إخفاء الحقيقة عن مصابي كورونا في ظل هذه الرقابة؟

5- وثمة حقيقة أخرى تدحض هذه الفرية، كاتب المقال يدعي أن أردوغان نشر الفيروس في أوروبا عن طريق اللاجئين السوريين وفتح الحدود لهم، وهنا تلعب التواريخ دورها كالعادة.

فأنقرة عندما صرحت بأنها لن تمنع اللاجئين من بلوغ أوروبا كان ذلك بتاريخ 28 شباط/فبراير بحسب ما أعلنت وكالات ووسائل الإعلام العالمية والمحلية، وتلا ذلك تدفق آلاف اللاجئين إلى الحدود، وظلوا قابعين فيها يناوشون الأمن اليوناني الذي يبعدهم بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والحي بعد رفض السلطات التام لتدفق اللاجئين عبر أراضيها، علمًا بأن اليونان هي بوابة القارة الأوروبية أمام اللاجئين ومحطتهم الأولى.

في المقابل، انتشر الحديث عن انتقال الوباء إلى أوروبا منذ مطلع شهر فبراير، أي قبل إعلان تركيا عدم منع اللاجئين من العبور، حيث ذاع في وسائل الإعلام العالمية في هذه الفترة الحديث عن انتقال الوباء إلى أوروبا، ومن ذلك ما نشرته رويترز بتاريخ 8 شباط/فبراير تحت عنوان ” وفاة أمريكي في الصين بفيروس كورونا ووصول العدوى لمنتجع تزلج بفرنسا”.

وذكر التقرير إضافة إلى إصابة الأمريكي، أن خمسة بريطانيين أصيبوا بالعدوى في منتجع تزلج فرنسي.

6- في 9 شباط/فبراير، نشر موقع “العربية” السعودي تقريرا بعنوان “قصة بريطاني في منتجع فرنسي.. هل نقل كورونا إلى أوروبا؟” ذكر التقرير أن “بريطانياً أُصيب بفيروس كورونا الجديد أثناء حضوره مؤتمراً في سنغافورة ربما نقل العدوى إلى سبعة أشخاص آخرين عندما أمضى بضعة أيام في كوخ بقرية في منتجع جبلي فرنسي في طريق عودته إلى وطنه”.

وأعلنت منظمة الصحة العالمية الخميس الموافق 12 آذار/مارس “إن القارة الأوروبية باتت الآن بؤرة لتفشي فيروس كورونا عبر العالم” بما يعني أن الفترة التي أعلنت فيها تركيا فتح حدودها لللاجئين إلى حين إعلان منظمة الصحة العالمية أن أوروبا باتت بؤرة للمرض، لا تكفي قطعا لانتشار الفيروس على هذا النحو المخيف إذا سلمنا جدلا بأن اللاجئين اخترقوا فعلا الحدود الأوروبية، وذلك بالنظر إلى فترة حضانة الفيروس.

ويرى مراقبون أن انتشار الفيروس في على هذا النحو في أوروبا، يرجع إلى ثقافة التجمعات والتي ترتبط بسياسة الحدود المفتوحة بين دول الاتحاد الأوروبي، كما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عن والتر ريتشياردي، أحد كبار خبراء الصحة في إيطاليا، حيث قال تعليقا على هذه التجمعات “هذه التجمعات الكبيرة تقدم خدمة للفيروس، بدلا من إعاقته”، وإضافة إلى ذلك فقد كانت هناك استهانة بخطر الفيروس كما في إيطاليا، والتي نالت سياستها في المواجهة الفاترة البطيئة للفيروس سيلا من الانتقادات، سواء الحكومة أو المعارضة.

كما تبين.. هي تهمة ظنية من “عكاظ” ليس لها أساس يعتمد عليه، بل ربما لا تستحق الرد عليها، غير أن من حق القارئ علينا أن نُفنّد له هذه الأكاذيب مهما بلغ ضعفُها وتكشّف عداء كاتبها.

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

قمة “جدة للأمن والتنمية”.. هل يربح الجميع؟

– بايدن يرى أن لدى الولايات المتحدة فرصة لاستعادة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *