الرسالة التي خرجت من بيت النبوّة يوم جمع النبي ﷺ ابنته فاطمة، وعمّته صفية، وعمّه العبّاس، رضي الله عنهم جميعا ؛ لم تكن مجرد كلام عابر؛ كانت إعلانا إلهيا بأن النسب مهما علا، وشرف الأصل مهما سما، لا ينهضان بصاحبه يوم توضع الموازين ويُعرض الخلق على رب العالمين.
قال لهم ﷺ، وهو سيد ولد آدم، إنّ القرب الحقيقي ليس قرب الدم، بل قرب العمل: «لا أغني عنكم من الله شيئا».
ثم وضع القاعدة التي تهدم أوهام الامتياز الوراثي كله: «لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم».
هنا يتجلّى الفارق الدقيق بين أمرين:
أن تُحب أصلك وقبيلتك فهذه من المروءة، من الوفاء، من شعور الإنسان بجذوره التي نشأ عليها، مثل محبتنا للغة التي تربينا عليها وللأرض التي ضمّت عظام أجدادنا.
هذا انتماء عاطفي محمود إذا لم يتحول إلى استعلاء.
أما أن يتحوّل الأصل إلى ميزان تفاضل، وأن يظن المرء أن الدم أرفع من العمل؛ فذلك قلبٌ للمعيار الذي جاء به الوحي، وإحياءٌ لركام الجاهلية الأولى التي كانت تقيس الرجال بأنسابهم لا بأخلاقهم.
ولو كان النسب يُنجي لنجّى الله أقرباء النبي ﷺ من الحساب، ولكنّ المعيار بقي: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
إنّ أخطر ما يصيب الأمم أن تستبدل معيار العمل بمعيار الأصل، وأن تُقيم جدران المفاضلة على ما لم تجنِه الأيدي.
فالأصل الذي لا يقوم عليه عمل صالح يتحوّل إلى صنم خفي، يُطرب صاحبه لحظة ويهوي به في الامتحان الأكبر.
هذا درس النبوّة![]()
![]()
أن الفضل يُكتسب ولا يُورث، وأن الله ينظر إلى القلوب والأعمال، لا إلى السلالات والبيوتات والقبائل..
إحسان الفقيه زاوية إخبارية متجددة