لماذا أُعرِّض نفسي للاعتقال باسم أنني أقول الصواب؟

مع كامل احترامي لآراء البعض ،

يبقى السؤال الذي أُحاسِب به نفسي قبل أن ألوم الواقع:

لماذا يجب أن أُخالِف قانون البلد الذي أعيش فيه، وأُعرِّض نفسي للاعتقال ومرمطة المحاكم؟

وماذا سيضيف اعتقالي للبشرية أو للأمة؟

هل سيُحرِّر وطن؟

هل سيُصلِح فساد؟

هل سيُنقذ مظلوم؟

الجواب، بكل صدق: لا.

أنا لا أؤمن بأن الألم وحده بطولة،

ولا بأن الاستعراض في ساحات الخطر عبادة،

ولا بأن إيذاء النفس طريق مختصر لتحقيق الحق.

وأرفض، مبدئيًا وأخلاقيًا، أن تُدفَع المرأة إلى كلفة نفسية أو روحية أو جسدية باسم “الجرأة”،

وكأن دورها أن تكون وقودا للمعارك، لا عقلا يُديرها.

المرأة ليست مشروع تضحية مجانية،

ولا ورقة ضغط،

ولا لافتة تُرفَع ثم تُنسى.

المرأة وعي،

والوعي لا يُزَجّ به في الزنازين طلبا للتصفيق.

أؤمن أن الإصلاح الحقيقي لا يُقاس بعدد الاعتقالات،

ولا بعدد الصدامات،

بل بما يبقى بعد الضجيج.

أن تُصلِح دون أن تُهين،

أن تُؤثّر دون أن تُؤذِي نفسك،

أن تبني دون أن تحترق…

هذا ليس ضعفا،

بل فهم عميق لطبيعة التغيير.

لسنا مطالبين أن نكون دائما في المواجهة الأمامية،

ولا أن نثبت صدقنا بخرابنا الشخصي،

ولا أن نُقايض كرامتنا بحكاية بطولة سريعة الاستهلاك.

البلاد لا تُبنى بالأجساد المكسورة،

بل بالعقول المتزنة،

والنفوس التي تعرف متى تتكلم،

ومتى تصمت،

ومتى تختار طريقا أطول… لكنه أبقى.

أنا أؤمن بالقانون،

لا لأن كل القوانين عادلة،

بل لأن كسرها بلا أثر ليس ثورة، بل فوضى شخصية.

وأؤمن أن أذكى أشكال المقاومة

هي أن تبقى حاضرا،

حرّا،

قادرا على التأثير،

لا أن تُقصى من المشهد تحت لافتة:

“كان شجاعا… يرحم البطن التي حملته”.

لسنا في سباق لإثبات النقاء،

ولا في مزاد للتضحية،

ولا في استعراض أخلاقي.

نحن في زمن يحتاج إلى ترميم،

لا إلى مزيد من الحطام.

وأنا، كامرأة مسلمة عربية بنت قوم طيبين يُشبهونكم ،

أختار أن أكون جزءا من الحل،

لا قصة حزينة تُروى بعد الاعتقال.

أختار البناء،

لا الاصطدام العقيم.

أختار التأثير العميق،

لا الضجيج المؤقت.

والله يعلم أن الصمت أحيانا أشرف من صراخ لا يغيّر شيئا،

وأن الحكمة، في زمن الفتن،

ليست تراجعا…

بل نجاة.

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

ليس لدي ما تنتظره.. ولكن لدي ما يوقظك

أعزّائي الكرام .. كثرة الرسائل التي تصلني منكم هي شهادة ثقة أُقدّرها وأحترمها… وأفهم تماما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *