مصطلح إسرائيل الكبرى، هو مصطلح قديم، برز على السطح منذ تأسيس الصهيونية، وتبنته الجماعات والكيانات الصهيونية المتطرفة، على اختلاف فيما بينها في حدود امتداد هذه الدولة الكبرى.
في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد، حرص الساسة الإسرائيليون على عدم التطرق إلى قضية إسرائيل الكبرى، لما تحمله من دلالات توسعية استعمارية لا تتفق مع مسار التطبيع الذي سلكته دولة الاحتلال مع الدول العربية.
وقد انعكس هذا الإعراض الإسرائيلي عن تناول فكرة إسرائيل الكبرى، على الأوساط الثقافية العربية، التي رأت أن هذا المصطلح منحصر في بعض الدوائر الثقافية لا يتجاوز معتقدات بعض التيارات الدينية المتشددة في دولة الاحتلال، وليس له امتداد سياسي.
وربما لم تهتز هذه الفكرة في الذهنية العربية حتى بعد أن روّج وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش المشارك في ائتلاف نتنياهو، لفكرة إسرائيل الكبرى في العام الماضي وامتدادها لتشمل فلسطين والأردن ولبنان ومصر وسوريا والعراق. حيث قوبل هذا التصريح بتهميش عربي يرتكز على كون التصريحات خرجت من شخصية يمينية متشددة لا تعبر سوى عن طموحات شخصية لأحد اليمينيين المتشددين ولا يعبر عن الرؤية الرسمية لدولة الاحتلال.
لكن أبى الملك بيبي كما يطلقون عليه في الداخل الإسرائيلي، إلا أن يفجر قنبلة أربكت الجميع حول حلم إسرائيل الكبرى.
فقبل أيام، أجرى المذيع اليميني المتشدد شارون غال، مقابلة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قناة i24 News، أهداه خلالها خريطة لما يعرف بأرض الميعاد، ذات حدود توسعية تشمل كامل فلسطين وأجزاء من الأردن ومصر وسوريا، فأكد نتنياهو على ارتباطه بهذه الرؤية التي تحملها الخريطة، واعتبر نفسه أنه يقوم بمهمة تاريخية وروحية لتحقيق حلم الأجيال المتعاقبة من الشعب اليهودي.
الصدمة التي أصابت الدول العربية، أشد من التي أحدثها تصريح جورج بوش الابن الذي وصف خلاله الحرب على الإرهاب في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بأنها حملة صليبية جديدة، حينها استنكرت الدول العربية التصريح، فتراجع عنه الرئيس الأمريكي.
أما نتنياهو الذي يقوم هو حاليا بدور الإرهابي في تدمير قطاع غزة، فقد صرح بحلم إسرائيل الكبرى، ولم يعتذر أو يبرر على الرغم من استنكار الحكومات العربية، ولا يُتوقع له أن يفعل، لأنها ليست فلتة لسان، بل وضع النقاط على الحروف في مساره السياسي والعسكري.
نتنياهو أطلق مشروعه التوسعي قبل هذا التصريح، باستهداف غزة والضفة ولبنان وسوريا، لكن جاء هذا التصريح ليضفي على المشروع صبغته الرسمية، ليتم تحويله إلى خرائط تعمل عليها المنظومة العسكرية والسياسية في حكومة الاحتلال، وذلك بعد حصوله المسبق على الضوء الأخضر من ترامب، والذي صرّح وهو على أعتاب دخول الأبيض للمرة الثانية بأن مساحة إسرائيل صغيرة وأنه لطالما فكر في كيفية توسيعها.
يأتي التصريح في ظل استعدادات إسرائيلية لاحتلال غزة بعد سيطرة نتنياهو على الجيش، كما يأتي في ظل تصويت الكنيست على ضم الضفة، وفي ظل التوسع الاستيطاني والانتهاكات غير المسبوقة للأقصى، بما يعني أن هذه الأحداث تمثل دلالات على الانطلاق الفعلي للمشروع.
التصريح الصادم أربك الدول العربية التي تبذل جهودها لتحقيق السلام على مبدأ حل الدولتين، وتعمل على تجهيز الأوضاع لليوم التالي من الحرب على غزة لإدارة القطاع من قبل السلطة الفلسطينية مستبعدة فصائل المقاومة، لتُفاجأ بتصريح نتنياهو الذي يتضمن إلغاء المسار السلمي لإنهاء الحرب، ويتضمن كذلك إلغاء فكرة الدولة الفلسطينية، والأخطر من ذلك تضمنه لأطماع توسعية في دول الجوار.
الملك بيبي لم يعد يعبأ بالتطبيع، قد انطلق بمنطق القوة وحدها لفرض الأمر الواقع تحت مظلة الحماية والدعم الأمريكي المفتوح، لا يرى أنه بات بحاجة إلى البراغماتية والمناورة والموادعة، بل إلى الوضوح الذي يطمئن اليمين الإسرائيلي الداعم له، ويبرزه هو شخصيا في صورة البطل المخلص المحقق للأحلام اليهودية.
التعامل مع تصريحات نتنياهو على أنها جوفاء والتهوين منها في ظل التحرك الإسرائيلي المحموم على الأرض، هو نوع من إرجاء مواجهة الكارثة لتسكين الوقت الراهن، وحرص كل دولة عربية على حدودها وأمنها القومي يحتاج إلى إعادة تقييم العلاقات مع الكيان، وقبل ذلك إعادة تقييم العلاقات العربية العربية للاصطفاف في مواجهة هذا المد الصهيوني.
إحسان الفقيه زاوية إخبارية متجددة