اقتصاد الانتباه: حين تصبح أنت السلعة

في زمن اقتصاد الانتباه، لم يعد العقل ملكا لصاحبه، بل سلعة تتنافس عليها القوى الكبرى في العالم…

لم يعد الذهب ولا النفط هو الثروة الأكثر قيمة، بل ثواني انتباهك، تلك اللحظات الصغيرة التي تحدد ماذا ترى، وماذا تصدق، وماذا تصبح…

اقتصاد الانتباه هو السوق الوحيد الذي لا يبيع منتجات، بل يبيعك أنت !

يبيع وقتك، تركيزك، عواطفك، وتقلباتك، ويقدمها لمن يدفع أكثر…

نحن لسنا مستهلكين في هذا الاقتصاد، بل موارد قابلة للاستخراج، تماما كما كانت الغابات والفحم والمعادن في القرون السابقة.

قال هربرت سيمون:

“الثروة من المعلومات تخلق فقرا في الانتباه”…

وحين يزيد المعروض من الرسائل والصور والاخبار، يصبح الانتباه هو المورد النادر، المورد الذي تتصارع عليه الشركات والمنصات والحكومات، كل يسعى الى خطف جزء من وعيك قبل ان تخطفه جهة اخرى…

ولهذا صار العالم يتحدث بصوت عال

ويركض بسرعة هائلة

ويعرض نفسه في صور قصيرة وخلاصات مبهرة…

لأنه يعرف أنك لا تملك وقتا، ولا طاقة، ولا قدرة على الاستماع الطويل.

فكل شيء الآن مصمم لخطفك، لا لمخاطبتك

ولإثارة أعصابك، لا لإثراء عقلك.

في اقتصاد الانتباه، الخبر ليس أهم مما يستحق، بل مما يجلب…

والمعلومة ليست أقوى بما تحتويه، بل بما تستطيع إثارته ..

حتى الآلام الجماعية، المآسي، الحروب، أصبحت موادا قابلة للاستهلاك السريع، تمر أمامك كالاعلانات، وتغيب بالسرعة نفسها.

والخطر لا يكمن فقط في ضياع الوقت، بل في شيء أكبر بكثير:

حين تفقد السيطرة على انتباهك، تفقد السيطرة على حياتك.

لأنك تتحول الى إنسان يتلقى، لا يختار، يعيش في حالة استجابة دائمة، يركض خلف ما تفرضه عليه الشاشات، وتحدد يومه وخطواته وانفعالاته.

مارشال مكلوهان قال: “الوسيلة هي الرسالة”.

واليوم يمكن ان نقول: “الانتباه هو المصير”….

فما تمنحه انتباهك يصبح جزءا من وعيك

وما تهمله يختفي وكأنه لم يوجد

حتى لو كان الحق….

اقتصاد الانتباه هو المعركة الحقيقية في القرن الحادي والعشرين…

معركة لا تستخدم البنادق، بل الأخطار النفسية

ولا تستنزف الجسد، بل الوعي

ولا تسعى الى احتلال الارض، بل احتلال العقل.

والنجاة فيه ليست بالانسحاب من العالم ..

بل باستعادة سيادتك على وعيك ..

أن تضع حدودا

أن تختار ما ترى،

وتقرر لمن تعطي أغلى ما تملك: انتباهك…

لأن الانتباه ليس مجرد فعل بصري

بل هو فعل وجودي

ومن يربح انتباهك، يربحك….

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

توقُّف الحرب، لا يعني أن الألم توقّف

توقُّف الحرب، لا يعني أن الألم توقّف…. في #غزة ما إن هدأ صوت القصف، حتى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *