الإدارة السورية الجديدة لم تحد عن الصواب عندما أعلنت الاتجاه إلى حل هيئة تحرير الشام وغيرها من الفصائل ودمجها في الجيش الوطني، وطالبت في الوقت نفسه كل الطوائف والقوميات أن تسلم السلاح لئلا يكون هناك أي تكتل عسكري مستقل مواز للجيش السوري الجديد.
ما تتجه إليه القيادة السورية ضرورة أمنية قصوى، لكنها تتهددها مخاطر رفض بعض الأطراف تسليم السلاح وإصرارها على أن تكون كيانات عسكرية مستقلة بذاتها حتى وإن لم تعلنها في التصريحات الرسمية.
وجود أي كيان عسكري مواز للجيش الوطني داخل البلد الواحد كارثة كبرى تهدد استقرار الدولة، لأن هذه الكيانات أو الميليشيات لها أهدافها وسياساتها وتوجهاتها التي تمارسها بعيدًا عن السياق الوطني، وما من دولة سمحت فيها الأنظمة بوجود مثل هذه الميلشيات إلا وأدت إلى كوارث أمنية وسياسية، فإما أن تؤدي إلى صراع عسكري داخلي، أو يتفاقم نفوذ هذه الميليشيات داخل الدولة فتصبح دولة داخل الدولة، ولها توجهاتها المغايرة للتوجهات الرسمية في إطار السياسة الخارجية.
أمامنا الحالة السودانية كمثال حي على خطورة وجود ميليشيات مسلحة داخل الدولة في ظل وجود جيش وطني.
قوات الدعم السريع في السودان، والتي يتزعمها حميدتي وتضم المرتزقة الأفارقة، وارتكبت وما تزال الجرائم البشعة بحق الشعب السوداني، كانت بالأساس ميليشيات استعان بها الرئيس السابق عمر البشير في دارفور وأضفى عليها الشرعية بتسميتها قوات الدعم السريع.
بعد الإطاحة بالبشير، برز حميدتي على المسرح السياسي وعين نائبا للبرهان في المجلس العسكري، ثم عضوا في مجلس السيادة الانتقالي الذي يترأسه البرهان.
لكن الخطر الميليشياوي قد أفصح عن نفسه، عندما اختلف حميدتي مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان حول الجدول الزمني للانتقال إلى حكم مدني بموجب الاتفاق الإطاري ودمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني ومن يقود المؤسسة العسكرية التي تتمخض عن دمج الجبهتين، فتم تأجيل التوقيع على الاتفاق النهائي، واشتعل الصراع المسلح.
الأنظمة التي تحرص على استقرار شعوبها وتحقيق مصالحها لا يمكن أن تسمح بوجود ميليشيات مسلحة توازي الكيان العسكري الوطني، ويفرض عليها حماية الوطن عدم وجود السلاح بأيدي الأفراد إلا على جهة الترخيص بشروطه المستوفاة أمنيا، فكيف إذا كانت تكتلات عسكرية لها توجهاتها وأهدافها المستقلة داخل الدولة؟
والحديث ها هنا عن حالة وجود دولة مستقلة لها جيشها الوطني، أنوه إلى ذلك منعا للالتباس، وقطعا للطريق على استغلال هذه السطور في الإسقاط على المقاومة الفلسطينية، ففلسطين دولة محتلة، وليس لها نظام حقيقي يقود مسيرتها، والمقاومة الفلسطينية المسلحة تمارس حقها المشروع في النضال ضد المحتل.
ومع الأسف الشديد، هناك بعض الدول العربية تنشأ فيها ميليشيات مسلحة تتقاطع مصالحها مع مصالح الأنظمة، بل وترعاها هذه الأنظمة لتحقيق أهدافها في الداخل، لكنها قنابل موقوتة توشك أن تنفجر في أي وقت وتهدد استقرار هذه الدول.
تأسيسا على ذلك، لا ينبغي أن يكون في سوريا الجديدة سوى جيشها الوطني، وأما الفصائل والجماعات والطوائف، فينبغي إذابتها في هذا الجيش الوطني، وإلا كانت سوريا عرضة لاندلاع الاقتتال الداخلي في أي وقت، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.