أكثر ما يضلل وعينا عن معنى النجاح هو تلك اللحظة اللامعة التي يراها الجميع.. ويغيب عنها كل ما سبقها.
العالم يحب القفزات المفاجئة
يحب قصة “بين ليلة وضحاها”
لأنها تعفيه من مواجهة الحقيقة الثقيلة..
ولا شيء يُمنح لمن لم يتهيأ له.
في كتب التراث لا تُذكر الثمار قبل الجذور
ولا النتائج قبل مرور الوقت
ولا النصر قبل الصبر.
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾
الفتنة هنا ليست عقوبة
بل اختبار جاهزية
هل ما في الداخل قادر على حمل ما في الخارج؟
ما يسميه الناس “نجاحًا مفاجئا” هو في الحقيقة لحظة انكشاف..
-انكشاف تراكم طويل
-عمل صامت
-تعلّم بطيء
-انكسارات صغيرة
-وتصحيحات لا يراها أحد.
مثل شجرة تظل خمس سنوات كاملة تحت الأرض
لا ورقة
لا ظل
لا ثمر
ثم في السنة السادسة
تفيض فجأة بما يعجز العقل عن تفسيره…!!
فيظن العابرون أنها معجزة
ولا يرون أن المعجزة
كانت في الصبر
في السقيا المُستمرة
في الثبات على العمل حين لا يحدث شيء.
القرآن لا يحتفي بالنتيجة
بقدر ما يؤسس للطريق إليها
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾
الهداية تأتي بعد الجهاد والفتح بعد الثبات
والتمكين بعد الاستقامة.
لكن الإنسان الحديث
يُحب القفز على السنن
يريد النتيجة بلا زمن
والثمرة بلا جذع
والنور بلا احتراق.
فينتظر “الفرصة الكبيرة”
ولا ينتبه إلى أن الفرص
لا تُفتح لمن لا يعرف كيف يدخل.
كم من باب فُتح
ولم يُرَ
لأن صاحبه لم يكن مستعدّا؟
لذلك عرّفوا الحظ بأنه = فرصة+ استعداد
الاستعداد في الإسلام ليس توترا
ولا لهاثا
بل ترتيب داخلي![]()
أن تكون أهلا لما تطلب.
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
التغيير لا يبدأ من الخارج
ولا من التصفيق
بل من تلك المنطقة الخفية
حيث لا يشهدك أحد إلا الله.
هناك
في الصمت
في الأيام التي لا يحدث فيها شيء
تُصاغ القدرة الحقيقية.
الضغط الذي نلعنه
ليس عدوّا
بل كاشف
يُظهر مواطن الخلل
ويمنحك خريطة التطور القادمة.
ولهذا تتكرر الابتلاءات
لأن الدرس لم يُفهم بعد
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ﴾
العلم هنا ليس جهلا سابقا ( حاشا لله)
بل إظهار لما فيك لك أنت قبل أن يكون لغيرك.
النجاح في المنظور القرآني ليس صعودا مستمرا
بل ثباتا مستمرا ..
أن تستمر
-حين لا تشعر
-حين لا ترى نتيجة
-حين لا يصفق لك أحد.
﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾
لم يقل: فَأَبدِع
ولا: فَتَألّق
بل: فاستقم.
الاستقامة هي أعظم مهارة في عالم يعبد القفزات.
ومن هنا
التحضير ليس مرحلة
بل أسلوب حياة
أن تتعلم قبل أن تُسأل
أن تُتقن قبل أن تُعرَف
أن تُصلح قبل أن تُظهِر.
وحين يأتي الضوء
لا يفاجؤك
لأنك كنت تمشي نحوه -أصلا- في الظل.
وهذا هو الفرق
بين نجاحٍ نضج في الظل
ونجاحٍ جاء قبل أوانه
فأربك صاحبه وأطاح به.
إحسان الفقيه زاوية إخبارية متجددة