في السياسة، لا تُقاس المواقف بذاكرة الماضي وحدها، بل بقدرة الفاعل على إعادة تعريف نفسه داخل لحظة دولية جديدة…
ومن هنا جاء حديث الأخ خالد مشعل، لا بوصفه مقارنة ساذجة، بل كإشارة ذكية إلى منطق الانتقاء الغربي في إعادة الشرعنة…
السؤال الذي طُرح لم يكن: لماذا أحمد الشرع؟
بل: لماذا يُمنح هذا المسار فرصة، بينما يُغلق ذاك بالكامل؟
في خطاب أبو الوليد، لم يكن أحمد الشرع اسما، بل نموذجا.
نموذج لرجلٍ انتقل، في نظر واشنطن، من خانة “الخطر” إلى خانة “الفرصة”،
لا لأن الماضي تغيّر، بل لأن الحاضر فُسِّر بطريقة مختلفة…
والحقيقة أن الولايات المتحدة لا تُصالح التاريخ بل هي تُفاوض الواقع…
حين رأت في التحوّل السوري إمكانا لإعادة ترتيب الإقليم
أعادت قراءة السيرة .. وخفّفت من ثقل التصنيفات ..
واستبدلت منطق القطيعة بمنطق الاحتواء المشروط…
نعم المشروط !
وهنا، حاول مشعل أن يضع حماس داخل السؤال نفسه:
هل المشكلة في الفعل، أم في زاوية النظر؟
هل العائق هو التاريخ القتالي، أم غياب الرغبة السياسية في إعادة التعريف؟
لكن المقارنة، مهما بدت ذكية، تصطدم بحقيقة أعمق:
أن واشنطن لا تتعامل مع الحركات بوصفها متشابهة
بل تقرأ كل ملف ضمن شبكة تحالفات، وضغوط، وحسابات أمنية متداخلة…
سوريا، بعد انهيار النظام القديم، أصبحت فراغا استراتيجيا ..
والفراغ في السياسة الدولية يُملأ سريعا…
أما حماس، فهي لا تزال في قلب ملفٍّ تُمسكه إسرائيل بقبضة الرواية الأمنية،
وتُديره واشنطن بمنطق “إدارة الصراع”.. لا حلّه.
من هنا، فإن دعوة مشعل ليست طلب اعتراف بل محاولة كسر احتكار السردية.
دعوة لأن تنظر أمريكا إلى حماس من خارج المنظار الإسرائيلي
لا من باب العاطفة .. بل من باب المصالح التي تدّعي أنها تحكم سياستها.
أما على الضفة السورية، فالكلام أكثر حساسية….
لأن الذاكرة بين حماس ودمشق ليست صفحة واحدة
بل فصول متناقضة:
-تحالف قديم، قطيعة مؤلمة، محاولات ترميم لم تكتمل …
ثم سقوط نظام دموي غيّر قواعد اللعبة للجميع….
ولهذا، فإن حديث مشعل لا يُقرأ كرسالة ودّ ..
ولا كتهديد مبطّن بل كتموضع سياسي حذر ..
يحاول أن يترك الباب مواربا، دون أن يُغلق على نفسه خيارات المستقبل…
في النهاية، السياسة ليست محكمة أخلاق
ولا سجلًّا للثأر
بل فنّ قراءة اللحظة….
ومن لا يُحسن قراءة اللحظة .. يبقى أسير الماضي ..
حتى لو كان الماضي مليئًا بالتضحيات…!
هذا ما قاله مشعل بين السطور ..
وهذا ما فهمه من يعرف أن السياسة لا تكافئ النوايا ..
بل تعترف فقط بمن ينجح في إعادة تقديم نفسه للعالم دون أن يتنكر لتاريخه ..
ودون أن يطلب من الآخرين أن يحبّوه.
إحسان الفقيه زاوية إخبارية متجددة