ما من ريبٍ أن الحلم الصهيوني لم يكن يوماً محصورًا في إقامة كيانٍ على بقعة من الأرض، بل في بسط النفوذ على العالم بأسره، وإخضاعه لمنظومة فكرية واقتصادية وسياسية تُمكّنهم من التحكّم بمسار البشرية.
تتغذّى هذه المنظومة من تسلّطها على المؤسسات والمنظمات الدولية، ومن وجودها الفاعل في دهاليز السياسة لدى الدول الكبرى، فضلًا عن سيطرتها على الاقتصاد والإعلام العالميين.
ولأن الأسرة هي نواة المجتمع، والحلقة التي تربط الفرد بجماعته، فقد أدرك القائمون على المشروع الصهيوني أن الطريق إلى إضعاف الأمم يمرّ عبر بوابة الأسرة. ولهذا كان من مآربهم الكبرى «هدم كيان الأسرة وتفكيك روابطها».
ولن يكون مستغربًا أن نقرأ في «بروتوكولات حكماء صهيون» قولهم: «سوف ندمر الحياة الأسرية بين الأميين ونفسد أهميتها التربوية».
وعلى الرغم من تشكيك البعض في نسبة تلك البروتوكولات إلى الصهاينة، فإنّ الواقع يشهد بتحقّق كثيرٍ مما ورد فيها، بما لا يدع مجالًا للشك في أصالة المنهج الصهيوني القائم على التخريب الممنهج.
من الأدوات التي اتخذتها الصهيونية لهدم الكيان الأسري، إعادة تعريف الأسرة، فالأسرة مؤسسة قائمة على اجتماع رجل وامرأة في ظلّ عقد شرعي، يلتزم فيه كل طرف بحقوقه وواجباته، ويثمر هذا الاجتماع ذريةً صالحة تحفظ بقاء المجتمع.
لكن في أدبيات المنظمات والهيئات العالمية التي تمسك الصهيونية بخيوطها، يُطرح تعريف مغاير للأسرة، يقدم في ثوب حقوق الإنسان، ويتم الترويج لأن الأسرة التقليدية فكرة متخلفة غير لائقة بالمجتمعات الحداثية.
تحت هذا الغطاء، صار يُعترف بما يسمى الأسرة المكوّنة من «ذكر وأنثى في غير زواج، أو اجتماع ذكر وذكر، أو اجتماع أنثى وأنثى».
ومن خلال مؤتمرات السكان والتنمية التي تُعقد في العالم الإسلامي، يُعاد تشكيل المفهوم من جديد، لتُقوّض الأسس الشرعية التي صاغها التشريع الإلهي.
ومع الأسف، بدأت تلك الأفكار تترك أثرها في واقع العديد من البلدان العربية والإسلامية، حتى غدت العلاقات خارج إطار الزواج ظاهرةً مقلقة.
كما عملت القوى الصهيونية عبر أذرعها الإعلامية على تعقيد الزواج، وتأخير سنّ البنات، وتزيين حياة اللهو والمتعة بلا ضوابط، ثم جاء الترويج لموانع الحمل وتبرير الإجهاض ليكتمل مشهد الانهيار الأخلاقي.
كما دفعت الصهيونية بعض الأنظمة العربية والإسلامية إلى سن قوانين هدامة للأسرة، بإيجاد مشكلة من الفراغ تتعلق بتقييد تعدد الزوجات بدعوى المحافظة على حقوق المرأة والأبناء، وتصويره على أنه ظلم للمرأة، مع أنه كان أمرًا عاديًا في البيئة العربية، ما انعكس بشكل سلبي على أوضاع الأسرة، وجعل بعض الرجال يقيمون علاقات خارج إطار الزواج. وبلغ من تضخيم هذا الأمر لدى المرأة، أن بعض النساء يرون في خيانة أزواجهن لهن أهون من الزواج بأخريات.
إضافة إلى ذلك، عملت الصهيونية من خلال أذرعها الإعلامية وزحفها الفكري الناعم، على تثوير المرأة وإشغالها بقضايا عبثية، فأقنعتها من خلال طوفان الغريب بفكرة الحرص على المساواة المطلقة بالرجل، مع أن المساواة المطلقة أكبر ظلم للمرأة، وهذا ما جنته المرأة الغربية بالفعل عندما خرجت بعد الثورة الصناعية إلى مزاحمة الرجال في سوق العمل، فأصبح لزامًا عليها أن تنفق في البيت كما ينفق الرجل، وأن تكد كما يكد الرجل، وصارت تعرق من أجل غيرها رغم ضعف تكوينها الجسدي، وفقدت كثيرًا من دورها التربوي في المحضن الأسرى تحت دعوى إثبات الذات، وهذا عين ما أرادوه بالفعل.
بل تجاوز العبث في ذلك إلى تجريم وسائل التأديب الشرعي للأبناء، فصُنّف الضرب التربوي – الذي وضع الإسلام له ضوابط – في خانة «العنف الأسري»، لينشأ جيلٌ متمرّد لا يعترف بسلطة الوالدين، حتى رفعت بعض الأبناء دعاوى قضائية ضد آبائهم وأمهاتهم.
قد يتهمنا البعض بأننا نُسرف في تبنّي نظرية المؤامرة، لكن شواهد الواقع أبلغ من كل دفاع، وليس الأمر ظنونًا أو تخمينات، فالمذكرات الغربية نفسها تزخر باعترافات قادة وزعماء عن النفوذ اليهودي وعن دوره في الحروب والانقلابات وتفكيك الدول.
إنه مشروع متكامل، يَستهدف الإنسان في عقيدته وأسرته وأخلاقه، ليُفرّغ الأمة من مضمونها ثم يُحكم قبضته عليها.
إحسان الفقيه زاوية إخبارية متجددة