إقليم دُرزي أم انتحار جماعي؟

إعلان الشيخ حكمت الهجري – أحد أبرز المرجعيات الروحية للدروز – مطالبته بدعم دولي لإقامة “إقليم منفصل” جنوب سوريا، وتشكيل “حرس وطني درزي”، ليس مجرد تصريح سياسي عابر، بل صرخة يأس تحمل أخطر انعطافة في تاريخ الطائفة، لأنها تفتح الباب أمام مسار محفوف بالمخاطر قد يحوّل حلم الحماية إلى انتحار جماعي.

الانقسام الداخلي: تفجير البيت الدرزي :

أولى بوادر الخطر جاءت من داخل البيت الدرزي نفسه؛ إذ سارع القيادي ليث البلعوس للتحذير من أن هذه الدعوة ستجلب “الخراب والدمار”.

هذا الانقسام العلني غير مسبوق، لأن قوة الدروز التاريخية – منذ ثورة سلطان باشا الأطرش (1925) ضد الانتداب الفرنسي – كانت تكمن في تماسكهم الداخلي، لا في تشرذمهم.

طرح مشروع مصيري كالانفصال دون إجماع شامل هو بمثابة تفجير داخلي للطائفة، وانقسامها بين من يرى في الإقليم خلاصًا، ومن يراه طريقًا إلى الفناء.

مواجهة الدولة السورية :

المطالبة بإقليم منفصل تعني في لغة السياسة إعلان حرب على الدولة السورية، التي لن تقبل بأي حال بتفكيك أراضيها. ورغم أزماتها، لا تزال دمشق تمتلك – بدعم من حلفاء إقليميين كتركيا والسعودية وقطر – ما يكفي من القوة العسكرية والسياسية لسحق أي نزعة انفصالية في مهدها، خصوصًا في منطقة استراتيجية وحساسة كـ السويداء.

والأخطر من ذلك أن الدعوة العلنية إلى تدخل دولي – وتسمية الولايات المتحدة وإسرائيل تحديدًا – تضع الدروز في خانة “العمالة” وفق خطاب الدولة السورية، وهو ما يمنح مبررًا كافيًا لاستهدافهم سياسيًا وعسكريًا وحتى اجتماعيًا.

جغرافيا محاصرة وأفق مسدود :

من الناحية الجغرافية، تبدو فكرة “الإقليم الدرزي” غير واقعية؛ فجبل العرب (السويداء) محاط بالكامل بأراضٍ سورية من جميع الجهات، بلا منفذ بحري أو حدود طبيعية تؤهله للانفصال. بل إن مجرد التفكير في كيان مغلق داخل سوريا يشبه “غزة ثانية”؛ منطقة محاصرة مهددة، لا كيانًا قابلًا للحياة.

ارتدادات إقليمية خطيرة :

أي مغامرة درزية في سوريا ستفتح شهية أقليات درزية أخرى في الأردن ولبنان وفلسطين المحتلة للمطالبة بخيارات مشابهة. وهذا ما لن تسمح به هذه الدول والكيان الإسرائيلي نفسه، لأنه ببساطة يهدد توازناتها الداخلية وأمنها القومي.

تجارب العالم حافلة بأن نزعات الانفصال نادرًا ما تبقى محلية، بل تنعكس كأحجار الدومينو عبر الحدود.

من حماية الذات إلى وقود الوكالات :

دعوة “العالم والدول الحرة” للوقوف بجانب الدروز ليست سوى استدعاء للحرب بالوكالة.

فالدعم الدولي لا يأتي مجانًا، بل مشروطًا بأجندات… وحينها سيتحوّل “الحرس الوطني الدرزي” إلى أداة في صراعات واشنطن وتل أبيب، بدل أن يكون قوة لحماية جبل العرب…. وسيغدو قرار السلم والحرب في السويداء بيد العواصم الكبرى، لا بيد أهلها.

الدرس التاريخي: النجاة في الدولة لا في الانعزال

إن تجاهل حقائق الجغرافيا والسياسة يقود إلى قفزة في المجهول. الأمن الحقيقي للدروز لن يُبنى بجدران إقليم معزول، بل في دولة مواطنة جامعة تحمي جميع أبنائها…

وفي الحقيقة أن التاريخ قد آثبت بأن الأقليات التي ارتمت في أحضان الخارج دفعت الثمن باهظًا، بينما من اختاروا العمل ضمن الدولة نجحوا في حماية أنفسهم وحفظ وجودهم.

أخيرا أقول:

مشروع الإقليم الدرزي ليس خلاصا بل انتحارا إراديا….!!

ما يضمن مستقبل الطائفة ليس الارتهان للعالم الخارجي، بل الانخراط في مشروع وطني سوري شامل، يُعيد بناء الدولة على أساس المواطنة المتساوية والهوية الجامعة…

فذلك وحده الكفيل بحماية الدروز، وحماية سوريا كلها من التفتت إلى كانتونات عاجزة وممزقة.

==

إحسان الفقيه

* مراجع وإسقاطات:

ثورة سلطان باشا الأطرش ضد الانتداب الفرنسي (1925) نموذج على قوة وحدة الدروز.

تجربة جنوب السودان (2011) التي تحولت إلى حرب أهلية رغم الانفصال المدعوم دوليًا.

حالة كردستان العراق (2017) حيث أسقطت المعارضة الإقليمية مشروع الاستقلال رغم الاستفتاء.

مثال غزة المحاصرة للتأكيد على أن الكيانات المغلقة جغرافيًا تتحول إلى عبء لا دولة قابلة للحياة.

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

لهذا يرفض الاحتلال حل الدولتين؟

مثّل الانتهاك الإسرائيلي للسيادة القطرية باستهداف قيادات حماس بالدوحة، محطة فارقة في مسار القضية الفلسطينية، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *