ما لا يسع الكاتب الافتقار إليه

غالباً ما يكون توجيه الكاتب الناشئ نحو طريق الكتابة مقتصرًا على الأدوات والمقومات المادية من رافد ثقافي وتدريب عملي على قوة الصياغة ونحوه، ومع أهمية ذلك وكونه أساسا في تكوين شخصية الكاتب وصقل موهبته وتحقيق طموحاته، إلا أن هناك صفات معنوية لا ينبغي تجاهلها، بل ينبغي توعية الكاتب المبتدئ بأهميتها ولزومها لمسيرته بشكل دائم، أدوّن ثلاثا منها في هذه السطور.

فلابد للكاتب ابتداءً من أن يكون صاحب رسالة، لا صاحب قلم جلّ طموحاته أن يقرأ لنفسه مقالا في الصحف والمواقع أو يطبع له كتاب يتنقل بين معارض الكتاب فحسب، فالكلمة أمانة ومسؤولية، لابد لها من رسالة تضبط مسارها وتدعم استمرارها وتوجه صاحبها إلى غايات كبرى سامية.

وليس هناك للكاتب من رسالة أسمى من انتشال الناس من ظلمات الجهل إلى المعرفة، والإسهام في تنشئة الوعي والنهوض به في الأمة، وبناء إنسان يرتبط بالسماء وفي الوقت ذاته يقطع السبل في الأرض نحو البناء الفعال الذي ينسجم مع مهمة الاستخلاف في الأرض والقيام بحق العبودية لله تعالى.

إن اتصال الكلمة المكتوبة بالحق الذي أراده الله، يصنع منها أداة بناء خالدة، ونحن بلا شك نعيش في عصرنا هذا على مبادئ وقواعد وأنماط وأفكار خلدتها كلمات اتصلت بالسماء، وها هنا يطالعنا الأديب عبد الوهاب عزام رحمه الله بقوله: «ولن تخلد الكلمة على الأجيال إلا إن اتصلت بالحق والخير، وكان لها من قوانين الله في خلقه سند، ومن إلهامه لعباده مدد».

الصفة الثانية التي لابد وأن تتوافر في السائر على درب الكتابة، هي العاطفة الحية، فكما يقال: ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المُستأجرة، وكلما سيطرت على الكاتب عاطفة حية متقدة وتفاعل قوي مع أزمات الأمة وأحداثها الجسام، وكلما احترق قلبه على أحوال الإنسانية بشكل عام، وتملكته رغبة صادقة في الإسهام بتغيير الواقع السيئ، كلما أحدثت كلمته التأثير في الجماهير، لذلك قال يحيى بن معاذ رحمه الله: «أحسن شيء: كلام رقيق، يستخرج من بحر عميق، على لسان رجل رفيق».

ثالث هذه الصفات، هي الصبر والمثابرة، فالكاتب يحتاج إلى ذلك طيلة مسيرته في الكتابة، يحتاجها في إلزام النفس بواجب علمي وعملي في القراءة والمطالعة والتدريب، ويحتاجها في التخلص من الحال التي يصاب بها المبتدئ غالبا وهي انتظار الإلهام حتى يحرك القلم، فبالصبر والمثابرة يخرج الكاتب من سجن هذه الفكرة، وتصير لديه القدرة على أن يكتب ويبدع حتى وإن كانت نفسه تأبى.

ومن المعلوم أن الصبر كغيره من الصفات أمر جبلي مركوز في تكوين الإنسان كل بحسب درجته، لكن من المقطوع به أيضا أن هذه الصفة يتم اكتسابها، وكما جاء في الحديث النبوي الشريف: (ومن يتصبر يصبره الله)، وفي حديث آخر (إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه)، فدل على أن الصفات قابلة للاكتساب والتغيير، وإلا لما جاءت الوصايا النبوية بتحسين الأخلاق.

فطريق الكتابة شاق وطويل، يحتاج إلى نفس طويل، ولذا ينبغي على من يتأهل للكتابة أن يوطن نفسه على طول أمد التدريب، وعدم التصدّر قبل التحضّر، فذلك أدعى لعدم السقوط.

كما يحتاج إلى الصبر والمثابرة لتحمل الأذى الذي يأتيه ممن يخالفه الرأي والمنحى، فكما قال الإمام سفيان الثوري وغيره: «رضا الناس غاية لا تُدرك»، فما من أحد قد اجتمع عليه الناس، الله جل جل جلاله لم يجتمع كل البشر على الإيمان به، وكذلك الرسل والأنبياء، وكذلك كل العلماء والأدباء والمفكرين، فمن ثم يتعرض الكاتب للنقد والتجريح والتشويه والنيل من عرضه من قبل بعض المخالفين، فلا ينجيه من ذلك إلا الصبر.

فهي ثلاث نصائح لكل من هَمّ بسلّ قلمه مرتادًا طريق الكتابة، عسى الله أن يجعل فيها الفائدة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

منهج الرافعي في تحسين أسلوب الكتابة وقوة الإنشاء

تحتل الرغبة في التمكن من الكتابة بأسلوب قوي بليغ، مكانة كبيرة لدى قطاع كبير من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *