كيف تصير أدوارنا في الحياة تكاملية؟

كثير منا قد تربوا على نظرة انفصالية تجاه مناحي ومجالات الحياة، إذ ينظر المرء إلى الأدوار المختلفة في حياته على أن كلا منها ينتزعه من غيره، ومن ثم يترسخ في وجدانه أن دوره في العمل ينفصل عن دوره في المنزل، عن دوره في المجتمع، عن دوره في تطوير ذاته، وهكذا دواليك.

تقود هذه النظرة صاحبها غالبا إلى التركيز على أحد الجوانب في حياته على حساب غيره، فتراه مثلا يغلب جانب التكسب والتربح لضمان رغد العيش لأسرته، ويجعله محور حياته، على حساب صحته والاهتمام بذاته وتطويرها، وعلى حساب المسؤولية الاجتماعية ومحاولة إيجاد دور فاعل في مجتمعه.

السبب في وجود هذه النظرة الانفصالية هو غياب الرسالة، فمتى كان للإنسان رسالة واضحة يعيش من أجلها، تحولت إلى مبادئ عامة تلقي بظلالها على كل مناحي الحياة، فيتحقق ذلك الانسجام والتكامل بين الأدوار.

عندما يكون للإنسان رسالة واضحة، تصبح جميع الأدوار في حياته أشبه بفروع نضرة من أصل جذر واحد.

ورسالة المسلم في حياته هي إرضاء الله تعالى بتحقيق العبودية، لأنها الغاية من الخلق (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، فمتى كانت هذه الرسالة واضحة لدى الإنسان، ارتبطت كل الأدوار بها، فيتحقق التوازن بينها عندما تنبع جميعها من غاية واحدة.

فعندما يستحضر المرء هذه الرسالة يتعامل مع كل مجال من مجالات الحياة على أنه ميدان للتعبد يحقق من خلاله رضا الله تعالى، فهو في عمله يتكسب للإنفاق على أهله وذلك من صميم التعبد، وهو في ذلك العمل يجتهد ويتقن ما يفعله لعلمه أنه الله يحب إذا عمل المرء عملا أن يتقنه.

وإذا انتقل إلى منزله دخله بنفس المنظومة الأخلاقية التي يتعامل فيها مع زملاء العمل، لعلمه أن أهل بيته هم أولى الناس بهذه الأخلاق، وفي المنزل يستحضر دوره التربوي ويقوم به لعلمه أنه راع وأنه مسؤول عن رعيته.

ووفقا لهذه الرسالة فإنه يهتم بصحته لعلمه أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، ويعمل على تطوير ذاته ليحقق الإفادة لنفسه ولغيره وهو من صميم العبودية لله تعالى.

كلما كانت هذه الرسالة واضحة في حياة الإنسان نظر إلى الحقوق والأعباء والأدوار نظرة تكاملية لا انفصالية، وهنا تبرز القاعدة الذهبية التي جرت على لسان الصحابي سلمان الفارسي وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم، إذ قال سلمان كما جاء في صحيح البخاري:

«إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدق سلمان».

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم خير من حمل هذه الرسالة، فإن المتأمل في سيرته العطرة يدرك هذا التوازن بوضوح في حياته صلى الله عليه وسلم على كثرة الأعباء وتشعبها.

فهو الصائم القائم القانت، وهو الذي يجلس في مسجده يعلم الناس أمور دينهم، وهو نفسه الذي يدير الدولة ويقود الجيوش، وهو نفسه الذي يمازح أصحابه، وهو نفسه الذي يصل رحمه، وهو ذاته الذي يسابق زوجته أو يستمع إلى أحاديثها الطويلة بإنصات فعال للتسرية عنها، فكل هذه الأدوار التي يقوم بها نابعة من الرسالة التي يؤمن بها، فيتعبد إلى ربه بكل سكناته وكلماته وأفعاله وخصاله، وذلك هو السبيل إلى تحقيق التوازن في حياة الإنسان، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

لا تلوموا المظلوم على الشماتة بظالمه

«كما لو أن قنبلة ذرية أُلقيت على هذه المناطق»، بذا وصف روبرت لونا عمدة مقاطعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *