( مرصد تفنيد الأكاذيب)
– بسبب الدعم العثماني، حقق خير الدين بربروس ورجاله انتصارات ساحقة على الإسبان
ولأن استلاب الأمجاد ليس كصناعتها، فقد حاول خصوم الأتراك تصوير بعض حِقب التاريخ العثماني على أنها قامت على التسلق وسرقة أمجاد الآخرين ونسبتها إلى نفسها، ومن ذلك ما ادعاه البعض من أن الدولة العثمانية لم تقدم شيئا لشمال إفريقيا في صد العدوان الإسباني في القرن الـ 16 الميلادي.
ودليلهم على ذلك أن القائد الفذ “خير الدين بربروس” الذي خلف أخاه “بابا عروج” في الكفاح ضد الهجمات الإسبانية، ذو أصول يونانية وليس عثمانيًا، ومِن ثمَّ فإن كل صفحات النضال التي سطرها خير الدين بربروس ليس للدولة العثمانية يدٌ فيها، سوى أنها أدخلت شمال إفريقيا تحت سيادتها، فاستفادت من كفاح تلك الشعوب بأن نسبت تلك الانتصارات لنفسها عن طريق بربروس الذي تتفاخر به.
فأين الحقيقة؟
الثابت تاريخيا أن الدولة العثمانية لم تفرض سيادتها على شمال إفريقيا بالقوة، وإنما كان بناء على استغاثة وجهها أهل الجزائر إلى السلطان العثماني سليم الأول تحت رعاية قائدهم خير الدين بربروس، والذي أعيته هجمات الإسبان من ناحية، والفتن والقلاقل التي تحدثها القبائل في الداخل من ناحية أخرى.
في دار المحفوظات التاريخية بإسطنبول وثيقة تاريخية تحمل رقم 6456، نشر المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي ترجمة لها باللغة العربية، في بحث له بعنوان “أول رسالة من أهالي مدينة الجزائر إلى السلطان سليم الأول سنة 1519” نشره في المجلة التاريخية المغربية التي كانت تصدر في تونس، وذلك في شهر يوليو 1976.
هذه الوثيقة عبارة عن نص رسالة بعث بها أهل الجزائر إلى السلطان سليم الأول عقب عودته من حملته على الشام ومصر، وحملها الفقيه أبو العباس أحمد بن قاضي، وفيها من إظهار التعظيم والتبجيل للسلطان الكثير، وحملت إظهار ولاء أهل الجزائر للدولة العثمانية ورغبتهم الأكيدة في الاعتماد عليها في صد العدوان.
وسوف تظهر السطور القادمة كيف رعت الدولة العثمانية جهود خير الدين بربروس وكيف دعمته للتصدي للخطر الإسباني، بصرف النظر عن أصوله اليونانية.
استجاب السلطان سليم الأول لنداء أهل الجزائر، واتخذ عدة إجراءات من شأنها تقوية شوكة النضال في شمال إفريقيا ضد الغزاة الإسبان:
أولًا: منح السلطان رتبة “بكلر بك” إلى خير الدين بربروس، وهي رتبة تعطيه صلاحيات واسعة وتجعل منه القائد الأعلى للجيش في إقليمه كنائب عن السلطان، الأمر الذي يعني أن الجزائر والمناطق الواقعة تحت نفوذ خير الدين بربروس، أصبحت تحت السيادة العثمانية، وبناء على ذلك يكون الاعتداء عليها يمثل اعتداءًا على الدولة العثمانية.
ثانيًا: أرسل السلطان سليم إلى خير الدين بربروس قوة من أعتى أسلحة الجيش العثماني وهي قوة المدفعية، وهي التي رجحت كفة جيشه على دولة المماليك في معركة مرج دابق كما يقول المؤرخ المصري عبد العزيز الشناوي في كتابه “الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها”.
ثالثا: أرسل السلطان إلى بربروس ألفين مقاتل من الإنكشارية، والتي تمثل النخبة من قوات المشاة في الجيش العثماني.
رابعًا: أذن السلطان سليم الأول لرعايا الدولة العثمانية في السفر إلى الجزائر والانخراط في صفوف المناضلين، وتشجيعًا لهم على ذلك أمر بمنح هؤلاء المتطوعين نفس الامتيازات المقررة لفيالق الإنكشارية، وبالفعل أقبل أهل الأناضول على التطوع للسفر إلى الجزائر، وهذا ما ذكره د.أرجمند كوران في كتابه السياسة العثمانية تجاه الاحتلال الفرنسي للجزائر صفحة 11.
وبسبب هذا الدعم العثماني، حقق خير الدين بربروس ورجاله انتصارات ساحقة على الإسبان، خاصة في عهد السلطان سليمان القانوني الذي خلف أباه سليم الأول، وإضافة إلى ذلك تمكن خير الدين مع هذه المساعدات من إنقاذ آلاف المسلمين في إسبانيا، حيث وجه عام 1529م ستا وثلاثين سفينة إلى السواحل الإسبانية وقام بنقل سبعين ألف مسلم من المضطهدين فيها إلى إفريقيا.
كما جعل الجزائر قاعدة عثمانية لصد هجمات الإسبان، ودعمه السلطان سليمان في الاستيلاء على تونس قبل أن يستولي عليها الإمبراطور الروماني شارل الخامس، والذي كانت إمبراطوريته تضم إسبانيا وبلجيكا وهولندا وألمانيا وإيطاليا والنمسا، كما ذكر الدكتور عبد المجيد التميمي في دراسته.
وبناء على ما سبق، فإنه من الإجحاف البيّن أن يُنكر الدور الكبير للدولة العثمانية في صد الهجمات الإسبانية على شمال إفريقيا، وأن القائد الفذ خير الدين بربروس قد حظي برعاية ودعم قوييْن من قبل الدولة العثمانية في خوضه تلك الحروب.
وجدير بالذكر أن التاريخ الأوروبي المليء بالمغالطات والافتراءات بحق الدولة العثمانية، قد صور القائد خير الدين على أنه قرصان تهمه الغنيمة، غير أن الحقيقة أنه كان يهاجم سفن الأعداء ويتتبعها في البحر، وجاء هذا الادعاء بأنه كان قرصانا لأنه ينتسب إلى الدولة العثمانية، ومن ثم يطعنون فيها من خلاله.