اشتهر عن ابن تيمية شدة عداوته للصوفية، والحق أن ذلك فيه مبالغة كبيرة، لأن لشيخ الإسلام منهجا وسطيا دقيقا في التعامل معهم.
لم يضع جميع الصوفية في سلة واحدة، بل كان شيخ الإسلام يمتدح الصوفية الأوائل الذين وافق تصوفهم وزهدهم تعاليم الإسلام مثل الفضيل بن عياض والجنيد وسهل التستري والشيرازي، وكان ينقل عنهم ويستدل بأقوالهم، ويبين أن صوفية عصره خالفوا ما كان عليه أسلافهم من موافقة السنة.
لم يكن ابن تيمية ضد الصوفية كمصطلح وإنما كان يواجه الانحراف العقدي والسلوكي لهؤلاء، وبذا يظهر أنه ليس عدوا محضا لجميع مراحل التصوف، ولم يكن يقول بأن التصوف بدعة، بل يقول إن أصل التصوف هو الزهد والتعبد، وهو أصل مشروع، وكان يدعو للتحقيق فيما ينسب للتصوف من أقوال وأفعال.
قسم ابن تيمية الصوفية إلى طبقتين: المتقدمين، والمتأخرين، فالمتقدمون هم ما كانوا على النقاء في العقائد والأعمال كالفضيل والجنيد، فكان يعتبر آراءهم ويحتج بها، أما المتأخرون فهم من أحدثوا في التصوف وأدخلوا فيه ما ليس منه.
انطلق ابن تيمية في حكمه على الصوفية على قواعد مطردة تقوم على ضوابط الحكم على المعين مع مراعاة العدل والإنصاف، واعتبار المصطلح الصوفي والبحث التاريخي.
واجه بشدة متأخري الصوفية ممن دخلت إليهم الفلسفات الوافدة، كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض والحلاج والتلمساني، ممن قالوا بعقيدة وحدة الوجود والحلول والاتحاد.
اصطدم ابن تيمية بالصوفية عندما نزل مصر حيث كان لهم نفوذ وسلطة قوية فيها، وانتشرت فيهم التصورات الفاسدة، فكان منها عقيدة وحدة الوجود وتجويز الاستغاثة بغير الله، وقولهم بسقوط التكاليف الشرعية عن المكلف بعد ترقيه في التزكية على المنهج الصوفي وغير ذلك..
تصدي شيخ الإسلام لبعض بدعهم وخرافاتهم كما فعل مع الأحمدية الذين كانوا يدهنون أجسامهم فلا تصيبهم النار فكشف ابن تيمية زيفهم.
ظهرت محنة ابن تيمية مع الصوفية أثناء وجوده في مصر، حيث كان الشعب المصري متأثرا بآراء ابن عربي، فلما انتقدها ابن تيمية شكاه ابن عطاء السكندري الصوفي المعروف إلى الأمراء بأنه يسب مشايخهم، وذهب مع جموع الصوفية إلى القلعة، فأمر السلطان بعقد مجلس يحضره شيخ الإسلام، فحضر أمامهم ورد على مزاعمهم في ثبات ورسوخ علم.
ازدادت شكاوى المتصوفة ضد ابن تيمية، وأثاروا مسألة منعه للاستغاثة بغير الله ولو كان بالنبي صلى الله عليه وسلم، فضاقت الدولة بهذه الشكاوى ذرعا، فتم إيداعه السجن، إلا أنه واصل دروسه في محبسه، وأقبل عليه الناس للاستفتاء والتفقّه.
ثم تولى السلطنة الملك المظفر بيبرس الجاشنكير الذي كان متأثرا بشيخه الصوفي نصر المنبجي الذي يسير على نهج ابن عربي، فأخرج السلطان الجديد شيخ الإسلام من القاهرة إلى الإسكندرية على سبيل النفي، فازدادت شعبيته.
وبعد حوالي ثمانية أشهر عاد ابن تيمية إلى القاهرة بأمر من السلطان الناصر قلاوون والذي عاد إلى الحكم فأراد أن يقتص لشيخ الإسلام ممن آذوه، فأبى ابن تيمية.
وقد رد ابن تيمية على البكري الصوفي (أحد أبرز خصومه) برسالة تحمل عنوان “الاستغاثة” يرد عليه بالأدلة الشرعية على منع الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، لكن الشيخ البكري بدلا من أن يرد عليه ردا علميا حكم على ابن تيمية بالكفر والزندقة، وأخذ يستعدي السلطان عليه، وحرض عليه الجند والعوام، وطالب بإهدار دمه، وقام بتحريض البعض حتى ضربوه ، فأراد أنصار شيخ الإسلام القصاص له فأبى وعفا.
انقلب السحر على الساحر وأنصف السلطان شيخ الإسلام فهرب البكري بعدما علم بأن النظام يطلبه، فلم يجد مكانا يختفي فيه سوى بيت ابن تيمية، والذي شفع له عند السلطان فعفا عنه.
تلك بعض ملامح موقف ابن تيمية من الصوفية، وهو موقف اتسم بالعدالة والوضوح والموضوعية والتسامح أيضا، بخلاف ما يشاع عن شيخ الإسلام من أنه كان خصيما للصوفية والتصوف بشكل مطلق، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كلام ليس فيه حيادية نابع من الميل الشديد لابن تيمية والكره الشديد للصوفية