لماذا تخفق دعوات الاحتجاج في مصر؟

تابعت مثل الكثيرين عن كثب، مسار الدعوة التي أطلقت للتظاهر ضد النظام في مصر، حتى جاء موعدها وهو الجمعة الفائتة الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني، ولم تخني توقعاتي بشأن مصيرها، حيث باءت كغيرها بالفشل في تشكيل صورة ثورية يمكن أن تكون بداية للتغيير.

وكما يظهر من عنوان المقال، نحن بصدد مناقشة أسباب فشل دعوات الاحتجاج، التي تطلقها المعارضة المصرية في الخارج، في إحداث حالة من التعبير الجدّي في معارضة سياسات النظام، عن طريق احتجاجات منظمة تظهر للمجتمع الدولي موقف الشعب المصري من تلك السياسات.

السبب الرئيس في فشل هذه الدعوات المتتابعة، هو حاجز الخوف المتين الذي استطاعت السلطة بناءه في نفوس الجماهير.

هذا الحاجز نشأ على مدى تسع سنوات، بدأ منذ مذبحة رابعة، التي راح ضحيتها المئات، كان يمكن فض الاعتصام بخراطيم المياه وقنابل الدخان، لكن هكذا أريد لها، أن تخرج بذلك السيناريو الذي يزرع الخوف في نفوس المتظاهرين، حتى تظل هذه الصورة البشعة ماثلة في ذهن كل من تسول له نفسه الاحتجاج والتظاهر والاعتصام.

تتابعت من يومها الاعتقالات الموسعة، وتكميم الأفواه، ومحاربة الناس في أقواتهم، والذي يعارض فالتهمة معلبة جاهزة، إنه ينتمي لجماعة الإخوان الإرهابية المحظورة، وأصبحت الحياة السياسية في مصر خالية من المعارضة، واقترنت الوطنية بتأييد النظام. حاجز الخوف الذي صنعه النظام في نفوس الجماهير، أقوى بكثير من دواعي إقدامهم على التظاهر ومعارضة السلطة، فمهما استبد الجوع والبطالة وارتفاع الأسعار المتتابع، ورفع الدعم، بالجماهير المصرية، فإنها ترى أن العيش بعيدا عن مرمى الأيادي الباطشة هو الأولى وإن أكلوا الخبز الجاف وحده. السلطات أمعنت في إرهاب المواطنين قبل هذا اليوم، فالإعلام كالعادة يعزف على لحن خونة الوطن، أصحاب الأجندات الخارجية الذين يريدون الخراب لمصر، وأن الوضع الحالي خير للعباد من مآلات غيرها من البلاد، وقوات الأمن كما بلغني كانت تستوقف المواطنين وتفتش في هواتفهم والدخول على السوشيال ميديا، لمعرفة مدى تفاعلهم مع دعوات النزول، وقامت باعتقال عدد كبير من المواطنين قبيل اليوم المحدد، وكلها أمور تزيد من هلع الناس والتفكير ألف مرة قبل النزول. كان من الطبيعي أن تفشل هذه الدعوات، لأنه ليس هناك من يقودها على الأرض، فالنظام أفرغ الحياة السياسية من النخب والكيانات المؤثرة. أما رموز المعارضة في الخارج، فلا أعتقد أن لها القدرة على تثوير الشارع المصري بمجرد دعوات عبر الفضائيات وتحديد لأماكن التجمع في المدن ونحوه، لأن هناك فجوة بالأساس أحدثها النظام بين الشعب المصري ومعارضة الخارج، ولن يستجيب لها سوى المؤدلجون، أما الذين يندفعون في النزول بدافع الاحتجاج على الأحوال المعيشية الصعبة، فكثير منهم لا يعتد برموز المعارضة في الخارج.

ويدعم من ذلك، الدور البارز لإعلام النظام الذي قام بشيطنة المعارضة، ووضع جميع عناصرها في سلة جماعة الإخوان كالعادة، ليصور الأمر على أنه سعي من الجماعة لاستعادة زمام الأمور بعد أن لفظها الشعب بما يسمى ثورة 30 يونيو/حزيران.

ويطرق إعلام النظام دائما على كون هؤلاء المعارضين يتحدثون من مساكنهم الفاخرة الآمنة المكيّفة في الخارج، بينما يطالبون الشعب المصري بالنزول والثورة ومواجهة القمع الأمني بصدور عارية، هكذا يصورهم الإعلام، وبالفعل وُجد لذلك صدى في الشارع المصري الذي يردد ذلك عن المعارضة في الخارج. ربما يعترض علينا البعض ويسوق إليها الخميني كمثال، الذي كان في الخارج واستطاع أن يقود الثورة من المنفى، لكنه قياس مع الفارق، فالخميني أولا كان شخصية محورية في حياة الإيرانيين باعتباره مرجعا دينيا لهم، كما أن قواعده كانت تعمل من سنوات داخل إيران، وكان الرأي العام في حالة غليان من حكم الشاه، أضف إلى ذلك الإسناد الدولي، حيث استفاد الخميني من دول غربية كانت ترغب في الإطاحة بحكم شاه إيران. وفي المقابل المعارضة المصرية في الخارج لا تتمتع بهذا التأثير، وليس لها قواعد عاملة تذكر داخل مصر، في ظل وجود قبضة أمنية عاتية. من وجهة نظري، تتابع إخفاق هذه الدعوات يقضي على آمال المتطلعين لتغيير النظام، ويتجذر في وجدانهم أن هذه الدعوات مهما وجدت من استجابة ستكون باهتة جدا لا تذكر، وأن مصيرها كسابقاتها الفشل، أضف إلى ذلك أن معظم شرائح الشعب التي تكتم صرخاتها خوفا، ستكون ناقمة على دعوات التثوير، نظرا لما يترتب عليها من تعطيل مصالح الناس وتعرضهم للتعسف الأمني.

لا أعتقد أن ثمة تغييرا في مصر يأتي بطريق ثوري، على الأقل خلال السنوات القليلة المقبلة، فالنظام قد أحكم قبضته على المؤسسات الصلبة، خاصة الجيش، الذي وضع رئيس النظام الاقتصاد في حضنه. وكما هو معلوم، الجيش هو العامل الأهم في تمرير أو إخفاق الثورة، وقد أصبح واضحا لكل متابع، أن ثورة يناير/كانون الثاني تم تمريرها من قبل الجيش لضرب عملية التوريث من جهة، والقضاء على الإسلام السياسي من جهة أخرى، ولا ينتظر أن يسمح الجيش برئيس مدني، لذلك لا سبيل للمعارضة في الخارج إلا إدراك أهمية النهوض بالوعي الجماهيري للشعب المصري، والعمل على ذلك داخليا من قبل بقايا القوى المؤثرة في الداخل المصري، وغير ذلك ستكون هذه الدعوات مفسدة أكثر مما هي مصلحة. وأعلم مسبقا أن هناك من لا يروقه مثل هذا الطرح ويطالبني بعدم إقحام نفسي في الشأن الداخلي المصري، وحتما لن أستجيب لهذا الرؤية الحمقاء، فكل بلاد الإسلام لي وطن، والشعب المصري له مكانة خاصة في القلوب، تحركنا لأن نتناول شأنه بما نرى من صواب، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

إعلان استشهاد الضيف ورفاقه.. دلالات المشهد

كل شيء كان يشير إلى انتصار غزة ومقاومتها على العدو الصهيوني، صمود الشعب، واستمرار الفصائل …

تعليق واحد

  1. أحمد حمدي / ألمانيا

    هذا تحليل جيد وصائب جدا. وأنا كذلك لم أقتنع بأن الدعوة بهذه الطريقة ستجد استجابة من المطحونين في مصر.
    إذا اجتمع المال والقوة (أعني قوة السلاح) في يد ظالم، اغتصب السلطة بقوة هذا السلاح فلن يتركها إلا بقوة مشابهة. لأنه يعلم تماما أنه على غير الحق، وأنه إذا ترك السلطة سواء بالقهر أو بالسلم فإنه مُحَاسب لا محالة. والظالم الذي يعلم أنه ظالم لا يخاف إلا الحق، فتجده تارة يأمر الناس ألا يدعون على الظالم، وتارة أخرى يهدد من يكتب على سيارته مثلا (هل صليت اليوم على النبي؟) بالسجن. وإذا ضاقت عليه الأرض بما رحبت رغم طغيانه في السلطة وسرقة أموال الشعب وتبعيته وبيع نفسه لأعداء شعبه والأمة، تجده يصدر قوانين لتوحيد خطبة الجمعة على مستوى الجمهورية وبجعلها لا تزيد عن عدة دقائق إلى آخر كل هذا الهراء.
    إنه خوف المستبد الظالم من الجماهير، ولذلك تجده يعمل ألف حساب لكل ما يمكن أن يحدث. وصل خوف الطغمة المستبدة في مصر من معرفة الشعب للحق ومن ثم إمكانية تمرده إلى أن يسلطوا إعلامهم كالكلاب المسعورة ليسبوا ويشهِّروا في إعلامهم المنكوب بيوتيوبر مشهور، يعمل تقريبا بمفرده، لأن تأثيره على الشعب، وهو فرد، أكثر من إعلام العار الذي يديرونه وينفقون عليه المليارات. فإذا لم يستطيعوا رده، فإذا بهم يعتقلون أخاه في جريمة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية. حتى في أشد العصور ظلما لم نجد أخا يعاقب على جريمة أخيه. فما بالنا بأخٍ يُعاقب على جريمة مفبركة غير موجودة أصلا؟. هل انتهى الظلم عند هذا الحد؟ كلا فلما لم يستطيعوا إسكات اليوتيوبر اعتُقِل الأخ الثاني، ثم أبوه!.
    بالتأكيد لك في قلب الشعب المصري مكانة خاصة يا إحسان. وليس ذلك بمنة، ولكنك تذكرين هذا الشعب دائما أبدا بالخير، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
    دمت ودام كل من يهتم بشئون الأمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *