الرئيسية / مقالات / عن أي إرهاب إسلامي يتحدثون؟

عن أي إرهاب إسلامي يتحدثون؟

يقول الزعيم الراحل علي عزت بيغوفيتش: «أثبت علم نفس الجماهير، كما أكدت الخبرة، أنه من الممكن التأثير على الناس من خلال التكرار المُلح لإقناعهم بخرافات لا علاقة لها بالواقع».
بالفعل، اقتنع بعض المسلمين بخرافة أن الإسلام دين ينتج الإرهاب، وذلك نتيجة للترويج المستمر لهذه الفرية، وهو أحد الأسباب التقليدية المعروفة في تغيير الرأي العام يسمى بأسلوب التكرار والملاحقة، وهو الأسلوب الذي اشتهرت به دعاية غوبلز النازية.
تأسست هذه الدعاية المغرضة على ربط الإرهاب بالإسلام مستغلة أفكار وممارسات شراذم منتسبة إلى الإسلام وهي مارقة عن تعاليمه مروق السهم من الرمية، مع أن هؤلاء التكفيريين الغلاة يكتوي بنار تطرفهم المسلمون أكثر من غيرهم، وأكثر عملياتهم التخريبية تتم في بلاد الإسلام تحت ذريعة محاربة الأنظمة المرتدة، وهم ملفوظون من قبل عامة المسلمين، لكن أُريد استغلال وجود هذه الطوائف الضالة لمحاسبة الإسلام كمنهج.
بل يُحاسب الإسلام ببعض الممارسات الخاطئة لدول وممالك تابعة للمسلمين في حقب مختلفة، يعتبرونها سلوكًا دينيًا لا سلوكًا بشريًا كمعظم الحضارات والممالك والدول في العالم بأسره، فعندما يقتُل خليفة عباسي أو سلطان عثماني قالوا: مسلم إرهابي، بينما لم نسمعهم يقولون عن نابليون بكل وحشيته: مسيحي إرهابي.
الإسلام وحده تلصق به تهمة الإرهاب لجرائم بعض معتنقيه، أما غيره فلا يتحمل على الإطلاق جرائم أتباعه، فلا تُجرم اليهودية في ضوء الجرائم التي يقوم بها الصهاينة ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض، ولا تُجرم البوذية عندما يُذبح المسلمون في بورما وكشمير، ولا تُجرم المسيحية عندما تُسفك الدماء بالمساجد في أوروبا، بل نحن أول من يرفض إلصاق التهم بالمناهج في مسؤوليتها عن انحراف أتباعها، لكننا نريد المعاملة بالمثل فيما يتعلق بالإسلام.
قبل أن تُلصق تهمة الإرهاب بالإسلام وأهله، يجدر التساؤل: من هم ضحايا الإرهاب؟
كشفت دراسة أعدتها مؤسسة الإبداع السياسي الفرنسية حول العمليات الإرهابية التي نُفذت من عام 1979 حتى نهاية أغسطس/آب 2019، أن 91.2% من ضحايا الإرهاب هم مسلمون، وأن 89.1 من العمليات الإرهابية نفذت في بلاد إسلامية، فعن أي إرهاب إسلامي يتحدثون؟!
وخلصت دراسة أمريكية أخرى إلى أن وسائل الإعلام الأمريكية تنقل الأخبار بشكل متكرر وبكثرة عندما يكون الجناة مسلمين، رغم أن جرائم المتطرفين اليمينيين هناك هي الأكثر بلا خلاف.
إن كان 19 شخصًا ينتمون للقاعدة نفذوا تفجيرات 11 ايلول/سبتمبر – وفق الرواية الرسمية الأمريكية بدون تعرضنا للشبهات الثائرة حول الحادث – اتُّهِم على إثرها الإسلام والمسلمون بالإرهاب، فإن الولايات المتحدة التي دمرت دولتين بسبب التفجيرات لم يقل أحد بأن عملها هذا إرهاب مسيحي، رغم أن بوش انفلت لسانه حينها وقال حين جرد الجيوش إنها حرب صليبية.

كذلك لم يتهم أحد المسيحية بأنها دين إرهاب عندما وصفت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية التدخلات العسكرية للروس على الأراضي السورية بأنها حرب مقدسة.
تفجيرات داعش والقاعدة إرهاب، الاعتداء على السائحين الغربيين من قبل بعض المتطرفين إرهاب، جريمة شارلي إبيدو إرهاب، نعم نقر بأن ذلك إرهاب، لكن في المقابل ماذا عن:
قيام حزب “SIAN” النرويجي بحرق المصحف في الميدان، وتصريح زعيمة الحزب في مظاهرة أخرى بأنه لا مكان للإسلام في النرويج والمطالبة بمنع تداوله. وعن مقتل وإصابة مئة مسلم في مذبحة مسجدي نيوزيلندا على يد متطرفين. وعن قيام عنصريين في السويد هذا العام بطباعة قمصان تحمل عبارة «احرق مسجد منطقتك».
وعن اعتقال الشرطة الأمريكية أربعة متطرفين أمريكيين كانوا يخططون لشن هجوم بالقنابل والأسلحة ضد مجمع إسلامبيرغ في كانون الثاني/يناير 2019. وعن دهس متطرف ألماني بسيارته ليلة الكريسماس حشدا من المسلمين شمال الراين أواخر كانون الأول/ديسمبر 2018. وعن صدور منشورات في بريطانيا تدعو إلى يوم «معاقبة المسلمين» في نيسان/أبريل 2018 ووقوع حوادث متفرقة ضد المسلمين على إثرها. وعن مقتل وإصابة تسعة بهجوم شنه متطرف بشاحنة استهدف المصلين أثناء خروجهم من صلاة التراويح في أحد مساجد فيسنبري بارك شمال لندن في حزيران/يونيو 2017. وعن تعرض المركز الإسلامي في مدينة توكسون الأمريكية لاقتحام مجهولين قاموا بعمليات تخريب بالمسجد وتمزيق المصاحف في آذار/مارس 2017.
وعن إحراق مجمع إسلامي يضم مسجدا ومركزا إسلاميا وشققا سكنية ومحلات تجارية في مدينة ميلهاوزن الألمانية في شباط/ فبراير 2018، وإضرام النار بعدها بأيام في مسجد قوجة سنان في برلين.
وعن قيام شاب يدعى بول مور بدهس صومالية محجبة مرتين في نوتنغهام وتكرار العمل نفسه بعدها بلحظات مع فتاة صومالية محجبة (12 عاما) في ايلول/سبتمبر 2017.
وعن مقتل رجلين وإصابة ثالث في محطة مترو في بورتلاند الأمريكية على يد رجل اعتدى بالكلام على مسلمتين محجبتين بعدما حاول الرجلان تهدئته في أيار/مايو 2017.
وعن استهداف متطرف كندي 40 شخصا داخل المركز الثقافي الإسلامي بمقاطعة كيبيك قتل منهم ستة وأصاب ثمانية في كانون الثاني/يناير 2017.
وعن تعرض مدرسة الصدّيق الابتدائية في أمستردام يدرس فيها تلاميذ مسلمون لإطلاق نار في كانون الثاني/يناير 2017.
وعن قيام 300 متطاهر من اليمين المتطرف بالهجوم على مسجد للمصلين في كورسيكا جنوب فرنسا وتخريبه وحرق مصاحفه في كانون الأول/ديسمبر 2015.
وعن مقتل تسعة وإصابة سبعة وعشرين على يد متطرف ألماني في مطعم في ميونخ الألمانية في تموز/يوليو 2016.
وعن مهاجمة مجموعة يمينية تطلق على نفسها «حماة الهوية» لمسجد الفتح جنوب غربي هولندا في كانون الأول/ديسمبر 2015.
الوقائع أكثر من أن تحصى في هذا المقام، ومع ذلك، لم تتهم المسيحية بالإرهاب، ورغم مئات حوادث الاعتداء على المسلمين في الغرب – خاصة بعد صعود التيارات اليمينية – إلا أن الأمة الإسلامية لا تزال تُتهم بأنها أمة إرهاب.
إن المسؤول الأكبر عن تعزيز هذه الفكرة لدى الغرب وداخل الأمة الإسلامية أيضا هو الأنظمة العربية التي تقود خطابات التحريض ضد التوجهات الإسلامية، وتحديدا حكومات السعودية والإمارات ومصر، والتي تخوض حربا ضد الشخصيات والكيانات الإسلامية ذات الاتجاهات السلمية وتتهمها بالإرهاب، وتمتلئ قوائمها السوداء بحشد من أبناء الأمة ومفكريها، وتكتظ سجونها برموز الشريعة، وتتزلف إلى الغرب بملاحقة الإسلاميين المعتدلين تحت مظلة القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه.
حديثهم المتتابع عن تعديل المناهج وتنقيحها من الأفكار المتطرفة أعطى انطباعا بأن الأمة عاشت دهرًا يتربى أبناؤها على التطرف.
يخوضون حربا في بلادهم بعنوان تطوير الخطاب الديني للقضاء على الإرهاب وكأن المسلمين كانوا بهذا الدين على مر الزمان إرهابيين، ويصف أحدهم الفكر الإسلامي بمعاداة الدنيا وأن 1.6 مليار مسلم يهددون 7 مليار آخرين.
هؤلاء هم المسؤلون عن تعزيز اتهام الإسلام والمسلمين بالإرهاب، وأسهموا في خطاب الكراهية ضد المسلمين الذي انتشر في الغرب وبلغ أوجه في السنوات الأخيرة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

طوفان الأقصى… إشكالية التلازم بين الدوافع والنتائج

في السابع من أكتوبر 2023، أطلقت المقاومة الفلسطينية عمليتها الكبرى «طوفان الأقصى»، لوضع حد للصلف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *