السعودية بين معاول التشويه وأعمدة النهضة: من روايات الحسد إلى سردية الدولة الصاعدة ..

في عالمٍ تختلط فيه الحقيقة بالدعاية، وتعلو فيه أصوات التحريض على ضجيج المنطق، تجد المملكة العربية السعودية نفسها في مواجهة ما يشبه “المتوالية الدعائية السوداء”، التي تتغذى على الحقد، وتُدار من غرف مظلمة لا تعرف الإنصاف ولا الموضوعية.
إنها حملات دنيئة مُنظّمة، تُلبِس نفسها ثوب “النقد”، بينما جوهرها محض كراهية تسعى للنيل من صورة المملكة، وتشويه مسيرتها، وتقزيم طموحاتها.

لكن، وفي خضم هذا الضجيج المتعمد، لا تُقاس الدول بما يُقال عنها، بل بما تُنجزه لأجل شعوبها، وما تزرعه على أرضها من ثمار التغيير.
والمملكة اليوم ليست الدولة التي تُقيَّم عبر الحملات الموجهة، بل عبر الأرقام الصلبة، والمؤشرات العالمية، والحقائق التي باتت تعلن عن نفسها في كل ميدان.

مرحلة التحول: من الدولة التقليدية إلى الفاعل الحضاري :

تمرّ المملكة بمرحلة تاريخية فارقة، لا تشبه إلا نفسها، انتقالٌ من نمط الدولة الريعية إلى الدولة التنموية، من الاقتصاد المعتمد على النفط إلى اقتصاد التنويع والإبداع، من الجمود الاجتماعي إلى التفاعل الحضاري الواعي، كل ذلك ضمن رؤية واضحة المعالم، هي رؤية 2030، التي لم تكن شعارا دعائيا، بل إطارا عمليا بدأ يثمر تحولاتٍ هيكلية في بنية الدولة والمجتمع.

هذا التحول لم يكن رغبة نخبوية معزولة، بل جاء منسجما مع تطلعات شعب شبابي نابض، يُشكّل أكثر من 70٪ من عدد السكان، يسير في رَكْبِ التجديد دون أن يتنازل عن ثوابته الدينية والثقافية، محافظا على هويته الإسلامية الأصيلة، لا كما يروّج البعض من خطاب “القطيعة” أو “التغريب”.

بلاغة الأرقام: ما لا تستطيع أبواق التشويه إنكاره:
ما يُحسب للسعودية في معركتها مع حملات التشويه، أنها لا ترد بالصخب، بل بلغة الأرقام:

-خصصت المملكة 25٪ من ميزانية 2024 للتعليم والصحة، وهي نسبة تفوق نظيراتها في دول “العالم الأول” مثل فرنسا (14.9٪) والولايات المتحدة (19.7٪)، بحسب بيانات OECD وWorld Bank.

-تراجعت معدلات البطالة إلى 4٪ فقط، وهو أدنى مستوى في تاريخ المملكة، وأقل من المتوسط العالمي.

-احتلت المملكة المرتبة الثالثة عالميًا في العمل الإنساني، بحسب تقرير منصة Giving Index 2024.

-هذا غير الإنجازات النوعية في مكافحة الفساد عبر تأسيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة)، والتي أعلنت عن مئات القضايا المحالة إلى القضاء خلال السنوات الأخيرة، في مشهد غير مسبوق عربيًا.

رؤية 2030: من التبعية النفطية إلى الريادة الاقتصادية :
رؤية 2030 ليست مجرد وثيقة بيروقراطية، بل هي خريطة طريق لإعادة تشكيل الاقتصاد والمجتمع والثقافة.
تم إنشاء مشروعات عملاقة مثل نيوم، القدية، مشروع البحر الأحمر، إلى جانب إطلاق برامج الابتكار في الذكاء الصناعي والطاقة المتجددة، لتتحول المملكة إلى مركز إقليمي للأبحاث والتكنولوجيا، بحسب تقرير McKinsey Global Institute 2024.

كما شهدت المملكة قفزات في تمكين المرأة، وتحديث الأنظمة القضائية، وفتح أبواب الاستثمار، وتوسيع الشراكات الدولية، وكلها خطوات أثارت حفيظة جهات لم تعتد أن ترى السعودية وهي تصوغ مستقبلها بقرارها الوطني.

السياسة السعودية: حكمة الاتزان في زمن الاضطراب :
أما على المستوى السياسي، فلا يخفى على المراقب أن المملكة تمارس دورًا محوريًا في تثبيت استقرار المنطقة، سواء من خلال الوساطات الهادئة، أو عبر حضورها في الملفات الإقليمية الحساسة، بدءًا من اليمن ولبنان، وصولًا إلى فلسطين والسودان، وقدرة الرياض على خلق التوازن بين الشرق والغرب، دون أن تكون تابعة لأي محور.

لكنّ هذا الدور القيادي لا يروق لكثير من الجهات، فتُطلّ الحملات المغرضة برؤوسها من حين لآخر، تارةً عبر تقارير مزيفة، وتارة أخرى عبر منظمات تحمل شعارات حقوق الإنسان بينما تُدار وفق أجندات سياسية ضيقة.

والسؤال هنا: لماذا لا تُسلَّط هذه الحملات على دول تُمارس الاستبداد فعليا، وتغيب فيها أبسط معايير العدالة؟
الجواب ببساطة: لأن المُستهدف ليس “الحقوق”، بل مكانة المملكة، وريادتها، وتأثيرها وسُموّ مكانتها..

وفي النهاية أؤكد ككاتبة عربية مُسلمة جرّبت الخوض في كثير من التناقضات والانضواء تحت كثير من المظلات المُخادعة :
إن الدفاع عن المملكة في وجه هذه الحملات ليس ترفًا، ولا مجرد اصطفاف قومي، بل هو دفاع عن فكرة الدولة العربية القادرة على النهوض، وعن نموذج سياسي عربي يستعيد قراره وسيادته.
إنها مسؤولية كل صاحب ضمير، وكل من يؤمن بأن الكرامة الوطنية لا تُشترى، وأن الصورة المشوّهة لا تليق بمملكة تؤسس اليوم لمستقبل يتجاوز التوقعات.

فالمملكة اليوم، كما وصفها الكاتب والمفكر اللبناني رضوان السيد:

“تخوض معركتين متلازمتين: معركة البناء الداخلي، ومعركة الشرعية الحضارية في الخارج… وفي كلتيهما، لا تنتصر إلا الدول التي تعرف إلى أين تسير.”

====
مراجع واستشهادات:
رؤية السعودية 2030 – الموقع الرسمي: vision2030.gov.sa

OECD Stats – Education and Health Spending 2024.

World Bank – Government Expenditure Reports.

Gallup Giving Index 2024 – Saudi Arabia Ranked 3rd.

McKinsey Global Institute Report – “Saudi Arabia’s Economic Transformation”, 2024.

هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) – البيانات السنوية 2024.

رضوان السيد، “السيادة والنهضة: قراءات عربية في الحالة السعودية”، دار المدار، 2023.

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

لهذا يرفض الاحتلال حل الدولتين؟

مثّل الانتهاك الإسرائيلي للسيادة القطرية باستهداف قيادات حماس بالدوحة، محطة فارقة في مسار القضية الفلسطينية، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *