هل أخطأت الأردن في إعلانها عن الخلية الإرهابية؟

الحديث عن الأمن الوطني لا يجوز أن يُدار بالانطباعات أو العواطف، بل بالعقل والحكمة والمقارنة العادلة.
فحين أعلنت الحكومة الأردنية عن ضبط خلية إرهابية متورطة بالتخطيط لاستهداف الأمن والاستقرار، انطلقت بعض الأصوات النشاز تُندّد وتقول إن الإعلان “تشهير” وإن “نشر الأسماء” انتهاك للخصوصية، وكأن الدولة ارتكبت خطيئة لا تُغتفر.

لكن لنتوقف قليلا يا بعض اخوتنا في العقيدة والدم والتراب الأردني … ونسأل:
هل إعلان الأردن عن مؤامرة أمنية، جريمة؟ أم ممارسة سيادية مسؤولة؟
وهل من يهدد الأمن يستحق الستر، أم يستحق المحاسبة؟

في السياق المقارن، لا بد من التذكير بما فعلته تركيا بقيادة أردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، -وقد كنتُ ضمن الدائرة الخاصة المقربة من دوائر صنع القرار في تركيا بل وجزء من العملية الإعلامية ومسؤولة مرصد تفنيد الأكاذيب الذي كلفني به وزير الدفاع التركي في ذلك الوقت .. –
الحكومة التركية التي اتّهمت جماعة فتح الله غولن بتدبير الانقلاب فعلت التالي :
•تم اعتقال عشرات الآلاف من الموظفين والأكاديميين والقضاة والضباط، لمجرد الاشتباه بولائهم لغولن أو تعاطفهم معه او الطعن بالرواية الرسمية للدولة التركية .
•صادرت الدولة مدارسهم، كلياتهم، مستشفياتهم، ممتلكاتهم الخاصة والعامة وجمدت أرصدتهم في البنوك بل وسياراتهم ومصاغ نسائهم.
•أُغلقت مؤسسات كاملة، وشُطِب مواطنون من وظائفهم، لا لأنهم حملوا السلاح، بل لأنهم محسوبون على “تنظيم موازٍ” ولو بالتعاطف فقط !

•لم يقل أحد في ذلك الحين من بعض أبناء جلدتنا :إن تركيا “شهّرت” بهم…
بل صُنّف ذلك في الإعلام الغربي والعربي كـ”معركة من أجل استقرار الدولة”.
ولا زلتُ على موقفي .. أؤيد ما فعلته تركيا لحماية أمنها وشعبها ..

فلماذا إذن حين تُعلن الأردن ـ وهي دولة ذات سيادة، تواجه تهديدات حدودية، ومحاولات تحريض داخلية ـ عن ضبط خلية تحمل السلاح ، تتحول هي إلى موضع الاتهام من ذات الذين صفقوا بالأمس لاجراءات اردوغان ضد “جماعة الخدمة” او الكيان الموازي او فتح الله غولن؟
لماذا حلالٌ على تركيا أن تصادر وتعتقل وتعزل آلاف الأشخاص لمجرد الشبهة، وحرامٌ على الأردن أن تُصارح شعبها بخطرٍ قائمٍ مثبت؟

ثم من الخطأ الخلط بين التشهير والتوعية.
الدولة حين تُعلن عن خلية إرهابية، فهي لا تفضح أفرادًا لأغراض شخصية، بل:
1.تحمي الرأي العام من الروايات المضللة التي قد تستغل الصمت الرسمي.
2.تبعث برسالة ردع لمن تسوّل له نفسه تهديد الأمن.
3.تؤكد للشعب أن أجهزتها يقظة، وأن الأمن ليس مهددًا بصمت، بل هناك استباق ومعالجة.

بل إن عدم الإعلان، في مثل هذه القضايا، قد يُفهم على أنه تواطؤ أو ضعف أو عدم قدرة على المواجهة.

وعليه:
العدالة لا تعني التستر على من يهدد وطنًا، والحرية لا تعني إطلاق العنان للمؤامرات.
ومن يهاجم الدولة لأنها تصارح شعبها، عليه أن يسأل نفسه:
هل كنت ستفضل أن تظل نائمًا في بيتك، وهناك من يحفر تحت أمنك بلا أن تدري؟

والله من وراء القصد

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

“استهداف العشائر الأردنية… محاولة يائسة لضرب وحدة الدولة”

مقدمة …. في لحظة فارقة من المشهد الأردني، وبينما كانت الدولة تُعلن إحباط مخطط تخريبي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *