يذهب الكاتب جيرالدي سينشيو الذي يقال إن شكسبير استوحى قصته المسرحية “عطيل” من أحد أعماله الروائية، إلى أن هدف الدراما، سواء كانت تراجيديا أو كوميديا، هو أمر واحد يتمثل في تحقيق الفضيلة.
أما الناقد الأدبي جو سيزار سكاليجر أحد أبرز نقاد عصر النهضة في القرن السادس عشر، فيؤكد بدوره الهدف الأخلاقي للدراما، ويشير إلى سبل تحقيق ذلك، من خلال الوسيلة غير المباشرة بضرورة انتهاء العرض المسرحي بمعاقبة الأشرار والرذيلة، ومكافأة الخير والفضيلة، والوسيلة المباشرة التي تتمثل في حديث الأشخاص أنفسهم بالقيم والفضائل في العرض المسرحي.
الشيخ رفاعة الطهطاوي الذي ذهب إلى باريس في بعثة مصرية عام 1826، سجّل ضمن مشاهداته اهتمام الفرنسيين بالتأديب والتهذيب عن طريق الدراما والمسارح ـ مع تحفظنا على بعض مسالكه الفكرية – حتى أنه أشار إلى عبارة مكتوبة على الستارة التي تسدل بعد انتهاء العرض المسرحي ترجمتها: “قد تنصلح العوائد باللعب” بمعنى إصلاح العادات والقيم عن طريق التمثيل، وفي مقابل ذلك، لم ينس الطهطاوي تسجيل نقده لبعض الممارسات الخاطئة في المسرح الفرنسي.
وتحت عنوان “الدراما مدرسة للتربية والتثقيف” يتحدث المفكر الراحل محمد عمارة في كتابه “الدراما التاريخية وتحديات الواقع المعاصر”، عن علي مبارك، المؤرخ والتربوي المصري الملقب بـ”أبو التعليم”، واهتمامه الشديد بالدراما ودورها الإصلاحي والتربوي والنفعي، خاصة في روايته التعليمية “علم الدين”، ووصفها بقوله “مدرسة علمية لجميع الأحوال الأسرية، ولخص فوائدها بقوله: “تستعمل في ما يراد من الأمور النافعة المحمودة في الشرع والعقل، فيفرغونها في القالب الذي تصير به من أسباب الفوز والسعادة، فهي (الدراما المسرحية) كالخادم للشريعة، التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ثم عدد الدكتور عمارة تطور الفرق الشعبية في سوريا ولبنان ومصر، ودخول الرؤية الإسلامية على هذا المجال، كالروايات التمثيلية للزعيم مصطفى كامل في روايته “فتح الأندلس”، والأديب المناضل عبد الله النديم في روايتيه “العرب”، “الوطن”.
يذهب الكاتب جيرالدي سينشيو الذي يقال إن شكسبير استوحى قصته المسرحية “عطيل” من أحد أعماله الروائية، إلى أن هدف الدراما، سواء كانت تراجيديا أو كوميديا، هو أمر واحد يتمثل في تحقيق الفضيلة.
أما الناقد الأدبي جو سيزار سكاليجر أحد أبرز نقاد عصر النهضة في القرن السادس عشر، فيؤكد بدوره الهدف الأخلاقي للدراما، ويشير إلى سبل تحقيق ذلك، من خلال الوسيلة غير المباشرة بضرورة انتهاء العرض المسرحي بمعاقبة الأشرار والرذيلة، ومكافأة الخير والفضيلة، والوسيلة المباشرة التي تتمثل في حديث الأشخاص أنفسهم بالقيم والفضائل في العرض المسرحي.
الشيخ رفاعة الطهطاوي الذي ذهب إلى باريس في بعثة مصرية عام 1826، سجّل ضمن مشاهداته اهتمام الفرنسيين بالتأديب والتهذيب عن طريق الدراما والمسارح ـ مع تحفظنا على بعض مسالكه الفكرية – حتى أنه أشار إلى عبارة مكتوبة على الستارة التي تسدل بعد انتهاء العرض المسرحي ترجمتها: “قد تنصلح العوائد باللعب” بمعنى إصلاح العادات والقيم عن طريق التمثيل، وفي مقابل ذلك، لم ينس الطهطاوي تسجيل نقده لبعض الممارسات الخاطئة في المسرح الفرنسي.
وتحت عنوان “الدراما مدرسة للتربية والتثقيف” يتحدث المفكر الراحل محمد عمارة في كتابه “الدراما التاريخية وتحديات الواقع المعاصر”، عن علي مبارك، المؤرخ والتربوي المصري الملقب بـ”أبو التعليم”، واهتمامه الشديد بالدراما ودورها الإصلاحي والتربوي والنفعي، خاصة في روايته التعليمية “علم الدين”، ووصفها بقوله “مدرسة علمية لجميع الأحوال الأسرية، ولخص فوائدها بقوله: “تستعمل في ما يراد من الأمور النافعة المحمودة في الشرع والعقل، فيفرغونها في القالب الذي تصير به من أسباب الفوز والسعادة، فهي (الدراما المسرحية) كالخادم للشريعة، التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ثم عدد الدكتور عمارة تطور الفرق الشعبية في سوريا ولبنان ومصر، ودخول الرؤية الإسلامية على هذا المجال، كالروايات التمثيلية للزعيم مصطفى كامل في روايته “فتح الأندلس”، والأديب المناضل عبد الله النديم في روايتيه “العرب”، “الوطن”.
وبعد هذا السرد حق التساؤل: إذا كانت الدراما الهادفة موضع عناية رواد النهضة والإصلاحيين من مختلف الحضارات، فلماذا اختفت في الميدان العربي؟ وإذا كانت قناعات رواد النهضة والآداب العالمية المعتبرين واضحة في التأكيد على دور الدراما في خدمة القيم والأخلاق وحياة الشعوب، فلماذا تخلينا نحن عن هذه القناعات في عالمنا الإسلامي العربي؟ لماذا فقدت الدراما دورها المنوط بها في كونها وسيلة للرقي وترسيخ والفضائل؟ عندما نتحدث عن الدراما العربية الهادفة، فإننا نبحث عن إبرة في أكوام من القش، لا تكاد تذكر منها سوى القليل، كأعمال الراحل مصطفى العقاد “أسد الصحراء عمر المختار”، “الرسالة”، إضافة إلى آخرين قلائل بذلوا محاولات في ظل طوفان الإسفاف الدرامي. لا يستطيع عاقل إنكار أن الدراما في كل أشكالها صارت ذات أهمية بالغة في حياة الإنسان المعاصر، تنبع أساسا من كون الإنسان مجبولا على المحاكاة، وبهذا تنسجم اتجاهاته النفسية مع الدراما، التي هي عبارة عن قصة مروية بالمحاكاة عن طريق الفعل والحركة والإيحاءات النفسية، وتقع في هذا الموضع من الأهمية، لأنها نابعة من تجاربه ويومياته ومعاناته وأحواله وتفاعلاته الاجتماعية، وتنقل حياة الشعوب وعاداتها والتعبير عن الآلام والأحلام، فهي أشبه بالشعر لدى العرب قديما، الذي كان ينقل ثقافة وتجارب المجتمع العربي وقال في حقه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: “الشعر ديوان العرب”. إذن، نحن لسنا أمام مجرد أداة ترفيهية، بل نحن إزاء وسيلة توجيه جبارة، وأداة فعالة في تغيير اتجاهات التفكير والمسار الأخلاقي والقيمي، فكيف يتأتى مع هذه الأهمية القصوى للدراما أن ترضى ميادينها العربية منها بالجانب المظلم، وتسخرها في الإظلام الثقافي والأخلاقي؟ ما الذي يعنيه أن تقوم الدراما العربية على الإغراء والبلطجة وتهوين الانحطاط الأخلاقي؟ ما الذي يعنيه أن تكون نتيجة الجهد الدرامي التراكمي تبسيط التفسخ الأخلاقي وتهوينه لدى الناشئة؟
لقد فتحت الأعمال الفنية الهابطة الباب على مصراعيه للتكهنات حول وجود أجندات أيديولوجية في الوسط الفني، والتأكيد على أنه يراد بالمجتمعات المتعرضة للمواد الدرامية، من أفلام ومسلسلات السير في ركب النظام العالمي الجديد، الذي يلغي الحظر عن كل ما هو محظور في مجتمعاتنا بطريق الدين أو التقاليد الأصيلة. بيوتنا تغرق يا سادة، وحصوننا تُدكّ من الداخل، والأجيال الجديدة ضحية التوجيه الدرامي العبثي، ومن ينكر تأثر عادات وأخلاقيات هذه الأجيال بالمعروض الدرامي بصورة فجة، فهو يناقض نفسه. هناك نغمة سائدة لدى القائمين على الدراما الهابطة، يرددونها في كل محفل إذا ما ووجهوا بتأثير أعمالهم الفنية في أخلاقيات وقيم المجتمع، فيقولون إنهم يعرضون مشكلات وأزمات المجتمع الشائكة حتى لا تظل مشكلاتنا تأكل فينا بصمت، وهذا محض كذب، لأن عرض المشكلة ليس مرادفا لحل المشكلة، فهم لا يعرضون حلولا لها، بل يطرحونها في قوالب مستساغة، فالبطل لا يضره أن يكون صاحب علاقات محرمة، ولا يضره أن يكون سكيرا، ولا بأس به إن كان لصا، طالما أن في داخله شيء من الخير ويدافع عن المظلومين، أو كان صاحب مأساة في حياته دفعته للشر تدفع الجماهير للتعاطف معه. والمرأة في الدراما معذورة إذا رافقت غير زوجها، لأنه لم يمنحها الحب الكافي، وقصر في احتواء أنوثتها. والبنت التي تبيت عند صديقها في الدراما يجب عدن الإنكار عليها، لأنها ناضجة ومؤدبة، وفوق ذلك أنها حرة ولم تعد صغيرة، فليس على والدها سوى النصح، أما الإجبار على الفضيلة فهو من سمات المتخلفين الرجعيين الظلاميين.
الحاصل أن الأعمال الدرامية في بلادنا تعرض الجانب المظلم في المجتمعات، وتستخرجه إلى العلن وكفى، لا يعبأ القائمون عليها بأن من شأن ذيوع القيم والسلوكيات الرديئة بهذا الشكل، تهوينها وتوهينها في حسّ المشاهد. والجرم الأكبر الذي يقع فيه مبررو الإسفاف الدرامي، ادعاؤهم بأن ما يعرضونه من قيم وسلوكيات رديئة في أعمالهم الفنية يعبر عن المجتمعات العربية، وهذا ظلم بيّن للجماهير، لأنه لا يعبر إلا عن قطاعات وشرائح محددة في المجتمعات العربية، التي ما زالت تنعم بالمناخ المحافظ إلى حد ما. ولا أدري كيف تسمح الحكومات بمثل هذا الإسفاف، بل أكثر ما يثير الدهشة أنها ترعى القائمين على الإسفاف، وكدت أعض أناملي من الغيظ، وأنا أتابع خبرا عن إحدى الجامعات العربية العريقة، قامت بتكريم فنانة بدعوى أنها أفادت الأجيال الناشئة، وتركت تأثيرها الإيجابي فيها، مع أن أعمالها الفنية تقوم على الإغراء. ولن يُعفى هؤلاء من المسؤولية بحجة أن العمل الفني ينبغي أن يتم تقييمه فنيا فقط، إذ يرفضون التقييم الأخلاقي لتلك الأعمال الهابطة. قد يكون مقبولا أن يتم تقييمها فنيا لو كانت تعرض في دائرة مغلقة لأهل الوسط الفني، أما أن تطرح في الأسواق ويشاهدها الصغير والكبير، فللجماهير حق حينها بأن يتم تقييمها وفق المعيار الأخلاقي والقيمي للمجتمع.
لا نستطيع القول إن صناعة السينما والأعمال التلفزيونية تسير منفردة بعيدا عن التوجهات السياسية والأيديولوجية والأجندات الخارجية، ولكن لا يمنع ذلك التصدي بالنقد للأعمال الفنية التي تعبث بالمنظومة القيمية والأخلاقية، وتكثيف خطاب المطالبة بالأعمال الفنية الهادفة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.