منهجية الاحتلال في صناعة الجوع بغزة

في تقرير صادر عن خمس من وكالات الأمم المتحدة من بينها الفاو واليونيسف قبل أيام، تبين أن أكثر من نصف سكان قطاع غزة يصنفون ضمن المرحلة الخامسة بصفة «كارثية»، وهي أعلى درجات التصنيف، وتتوزع بقية السكان على مرحلتين: طارئة وأزمة، بما يعد أسوأ وضع غذائي تم تسجيله منذ اعتماد هذا التصنيف العالمي.

المجاعات لا تنشأ من فراغ ولا تحدث من العدم، وهكذا شأن الحال التي وصل إليها أهل غزة، فقد تم تجويعهم عبر سياسة ممنهجة للكيان الصهيوني.

اعتمدت هذه المنهجية على أمرين أساسيين:

المسار الأول: تجفيف منابع الحصول على الطعام من داخل القطاع.

وتم ذلك للاحتلال من خلال اتباع سياسة الأرض المحروقة، حيث دأب الكيان الصهيوني منذ ما يقارب العامين على القصف والتدمير الشامل للقطاع، ومنه تدمير القطاع الزراعي سواء عن طريق الصواريخ والقذائف أو عن طريق أرتال الدبابات والقطع العسكرية المتوغلة التي أفسدت الأراضي الزراعية، فبلغ مجموع من تم تدميره من القطاع الزراعي أكثر من 90%، بينما تواجه المساحات الضئيلة المتبقية، تحديات ضخمة، كمنع وصول المزارعين لأراضيهم، ومنع إدخال المستلزمات الزراعية التي ارتفعت كلفتها بشكل مهول، وعدم توفر المياه اللازمة للزراعة بسبب الدمار الذي لحق بالقطاع.

كما عمد الاحتلال إلى استبعاد قطاع الصيد الذي كانت ينتج سنويا 4600 طن من الأسماك، فتم تدمير 98% منه بما في ذلك تدمير ميناء غزة ومئات قوارب الصيد، وأصبح الصيادين هدفا للطائرات والزوارق الإسرائيلية، وبذلك حُرم سكان القطاع من مصدر رئيسي للغذاء.

وأما الثروة الحيوانية، فقد تعرضت للدمار الكامل، بما يشمل قطاعات الدواجن والأبقار والأغنام والحليب والبيض، عن طريق القصف الهجمي، وكذلك عن طريق نقص الأعلاف وارتفاع كلفتها، إضافة إلى تدمير قطاع الزراعة الذي يعد رافدا أساسيا للثروة الحيوانية.

المسار الثاني: قطع الطريق على المساعدات الخارجية.

من خلال إحكام الحصار على غزة وإغلاق المعابر التي تكدّست خلفها آلاف الشاحنات التي يمكن أن تغيث سكان القطاع بالطعام والماء النظيف والأدوية والمستلزمات الطبية.

وأما المساعدات فقد حصرها الاحتلال بالتواطؤ مع أمريكا في مؤسسة غزة الإغاثية المشبوهة، والتي أصبحت مصائد للموت، إذ يستهدف الاحتلال منتظري المساعدات في النقاط المحدودة الموزعة في الجنوب، فأصبح الحصول على كيس من الطحين مغامرة اضطرارية قد تكلف المواطن حياته.

وحتى يُجمّل الاحتلال وجهه القبيح، ويخفف من حدة غضب العالم الناقم على سياسته في تجويع غزة، فقد سمح ببعض عمليات الإنزال الجوي للمساعدات، أخذت صفة الرمزية.

وأقول أخذت صفة الرمزية، لأنها لم تحدث تأثيرًا يذكر في حياة الناس، ذلك لأنها محدودة للغاية إذ أنها وفق تقارير لم تتجاوز حمولة خمس شاحنات.

والأدهى والأمر، أن هذه المساعدات عن طريق الإنزال الجوي، يسقط بعضها في البحر أو داخل المناطق التي تسيطر عليها قوات الاحتلال، بما يجعل الحصول عليها صعبا أو مستحيلا، والأخطر من ذلك، أن بعضها يسقط على خيام النازحين ويعرض حياتهم للخطر.

وأما المساعدات التي سمح الاحتلال بدخولها برًا مؤخرًا، فهي كذلك محدودة للغاية، وهي على محدوديتها يتم توقيفها عند مناطق شديدة الخطورة ينتشر فيها قناصة الاحتلال الذين يستهدفون سكان القطاع، كما أنها عرضة للانتهاب من قبل قطاع الطرق واللصوص الذين رأوا أن السلاح يجعلهم آخر من تطالهم المجاعة.

الاحتلال لا يريد إنهاء هذه المجاعة، ولو كانت له نية لإدخال المساعدات، لسمح لآلاف الشاحنات المتكدسة خلف المعابر بالدخول على الرغم من أن الإنزال الجوي كلفته عالية، أعلى بمائة مرة من كلفة المساعدات البرية وفقا للأونروا.

يهدف الاحتلال من تجويع أهل غزة، إلى الضغط على المقاومة للقبول بالاستسلام وتسليم الأسرى بلا شرط، ويعلم أن في عرقلة جولات المفاوضات إطالة لأمد التجويع ومن ثم مزيد من الضغط.

كما يهدف بالتجويع إلى إحداث انهيار اجتماعي شامل يؤدي للفوضى والعنف الداخلي في مجتمع طالما كان شوكة في حلقوم الصهاينة، وكذلك التأثير الدائم على الصحة النفسية والعقلية والجسدية لأطفال غزة حتى لا يكونوا عناصر مقاومة في المستقبل.

فلا بديل عن الضغط المتواصل رسميا وشعبيا لإدخال المساعدات الكافية لإنقاذ القطاع، وعدم رهنها بنتائج المفاوضات، قبل أن يسقط مزيد من القتلى جوعًا.

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

لهذا يرفض الاحتلال حل الدولتين؟

مثّل الانتهاك الإسرائيلي للسيادة القطرية باستهداف قيادات حماس بالدوحة، محطة فارقة في مسار القضية الفلسطينية، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *