شهدت الأسابيع الأخيرة تصاعدًا مؤسفًا للهجمات الإعلامية المتبادلة بين بعض أبناء الشعبين السعودي والمصري على منصات التواصل الاجتماعي، ما أثار قلقًا عميقًا لدى كل غيورٍ على وحدة الصف العربي، وأعاد إلى الواجهة تساؤلاتٍ مشروعة عن مستقبل التضامن الشعبي بين جناحي الأمة وثقلها الحضاري والتاريخي.
وإزاء هذا المشهد المؤلم، تبرز الحاجة الماسّة إلى خطاب عقلاني رشيد يُعيد تصويب البوصلة، ويضع الأمور في نصابها، بعيدًا عن لغة الانفعال والانقسام، فمصر والسعودية ليستا مجرد دولتين تجمعهما المصالح، بل هما ركنان عظيمان من أركان الأمة، قامت بينهما وشائج التاريخ والدين والدم والمصير، عُرى لم تنفصم رغم عواصف السياسة وتقلّبات الزمان.
قال الله تعالى:
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال: 46]،
فكم من أممٍ هلكت بتنازعها، وكم من فرصٍ أُهدرت بسبب خلافات لم تكن في حقيقتها إلا نِتاجَ تضليلٍ أو تهويلٍ أو سوء فهم.
من نافلة القول التأكيد على أن مصر والسعودية هما عمودا الخيمة العربية، وإذا اختلّ التوازن بينهما، اضطربت ساحة العرب واختلّ نسيجها. عبر عقودٍ من الزمن، ظلت العلاقة بين الشعبين عامرةً بالمحبة والمواقف المشتركة، فلم تخلُ معركة من معارك الأمة الكبرى من تنسيقٍ سعودي-مصري، ولا أزمة إلا وكان موقفهما هو الصمام الذي يدرأ التصدّع والانهيار.
وإنّ ما نشهده من تصعيدٍ لفظيّ وتحريضٍ عاطفيّ بين أبناء الشعبين، لا يعدو أن يكون فقاعات مفتعلة، يغذّيها بعض من يقتات على الفُرقة ويستثمر في الفتنة، مستخدمين منصات التواصل سلاحًا لنفث سمومهم، تارةً تحت ستار الوطنية، وأخرى باسم النقد، وهو منهما براء.
إنها لحظة صدق، نحتاج فيها إلى أن نُعلِي صوت الحكمة على الضجيج، وأن نناشد أهل الرأي والكلمة من الإعلاميين والمثقفين والمؤثرين أن يتقوا الله فيما يكتبون، ويعلموا أن الكلمة سهم، إمّا أن تُصلح أو تجرح، وأنّ مسؤوليتهم لا تقف عند حدود المحتوى، بل تمتد إلى أثره الاجتماعي والسياسي في وعي الشعوب.
لقد آن الأوان أن نرتقي فوق جراحنا ونتذكّر قول النبي صلى الله عليه وسلم:
“المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا” [متفق عليه]،
وأن نضع يدًا بيد لمواجهة التحديات التي تحيط بأمتنا من كل جانب: صراع الهويّة، وهيمنة الاحتلال، والتغلغل الفارسي، ومحاولات تطويع العقل العربي لصالح مشاريع التفرقة والتفكيك.
إنني، وقد عشت طفولتي بين أهل الرياض الذين أحببتهم وما زلت، أوجّه ندائي بقلبي قبل قلمي، إلى أحبّتنا في مصر والسعودية: لا تجعلوا من الخلافات العابرة جسورًا للقطيعة، ولا تسمحوا لمنابر التوتير أن تَحكُم منابر التأثير. فالذين يُشعلون الوقيعة بينكم، لا يريدون إلا أن يضعف هذا الجناح وتُقصَف تلك الكتلة الحضارية التي لا يُستغنى عنها.
وإذا ابتعدنا عن لغة العاطفة واقتربنا من منطق المصالح العليا، فإنّ التناغم السعودي-المصري ليس رفاهية دبلوماسية، بل ضرورة وجودية، تحفظ للمنطقة توازنها وتمنح الشعوب أملًا في مشروعٍ نهضويّ جامع، تُبعث فيه روح الأمة من رقدتها الطويلة.
قال تعالى:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]،
فلا تَجعلوا من وسائل الإعلام سلاحًا يُشهر في وجه أخيك، ولا من الخلافات بابًا يتسلل منه الشيطان.
ختامًا…
شاء من شاء وأبى من أبى، سيظل السعوديون والمصريون شعبًا واحدًا لا تفرّقه أجندة، ولا تنال من لُحمته شاشات، ولا تُفرّق بينه دسائس أو مؤامرات. فلنقطع الطريق معًا على المغرضين، عسى أن يرحمنا الله بوحدتنا، فـ”يد الله مع الجماعة”، وهو القائل:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103].
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.