كنا نحبس الأنفاس ونحن نشاهد أفلام الرعب صغارًا، نُدفئ بعضنا في بعضنا، لتذهب رجفة الخوف، ثم يأتي وقتٌ نشهق فيه عندما نكتشف أن ذلك الوسيم لم يكن سوى الشيطان، قد فضحته المرآة، فالمرآة دائما صادقة.
لكننا نُعرض عن النظر إلى المرآة إذا ما تعلق الأمر بالأهواء، نخاف الفضيحة، فنؤثر التظاهر بالغفلة، وتلك هي المصيبة، ويبقى الخوف من المرآة عادة، لتصبح العادة سجية.
“هابي فلانتاين”، “هابي فلانتاين”، لا تزال تُسكب في أذني حتى كادت أن تصيبني بالصمم، فبأي عيدٍ يفرحون؟ هل هو الحب حقًا؟ هكذا يرون، وللمرآة رأي آخر يُظهر الوجه القبيح.
كعادتنا في الإمّعية والتقليد الأعمى، نستورد ما يراه الآخرون حسنًا، ولا نلتفت إلى تقييمه، وصدق حبيبي وإمامي صلى الله عليه وسلم (لَتَتَّبِعُنَّ سننَ مَنْ قبلكُمْ شبْرًا بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ).
وإنما أتناول في تلك السطور البعد الإنساني لهذا الفلانتاين، إذ أن ما نصفه بالعيد هو في حقيقته جريمة إنسانية.
يوم الاحتفال بعيد الأمة هناك دائمًا ذلك اليتيم المقهور، يرى أنه من بين أقرانه حُرم هذه الفرحة، ربما يلفِت بعض الأنظار الرحيمة، فيمسحون على رأسه.
وفي يوم الفلانتاين، يتسابق المحبون إلى بذل الهدايا تعبيرًا عن الحب، فماذا عن يتيم العشق؟
هذا الشاب الذي هجرته حبيبته ويقضي ذلك اليوم بالنوم أو يترك نفسه صريعًا للأغاني الحزينة…
وتلك الزوجة التي ودعت زوجها قبل سنوات إلى مثواه تحت الأرض، فيأتي يوم الحب ليكون لها يوم الحزن……
وهذا الخجول الذي لا يعرف كيف يفوز بحبيبة من بين الصبايا وبقي أسير الحياء…..
وهذه الصبية العفيفة المتعففة، مُرهفة الحس، رقيقة المشاعر، تُلجم نفسها عن المحاكاة وهي ترى ذلك الطوفان الهادر، وتنتظر اليوم الذي يسقيها فارس الأحلام من كأس العشق بالرباط المقدس…
أكل هؤلاء نتجاهل مشاعرهم؟ من أجل ماذا؟
من أجل طقوس رتيبة يقدسها في معظم الأحوال صِبْيةٌ ربما يبذل الواحد فيهم هدية الفلانتاين لأربع فتيات مما ملكت شماله ليرضي ذاته المراهقة ببطولاته الغرامية.
رأيتُ في المرآة أن ما يسمونه عيد الحب هو قدْح وإجحاف لكلمة الحب، فكيف لمشاعر نبيلة جياشة وجدت مكانها في حنايا قلوب المحبين أن يُحتفل بها يومًا في السنة؟
إن الحب الصادق حالة دائمة، خلفية يعيش بها المحبون، تنعكس على سلوكياتهم، فتصير كل نظرة وكل حركة وكل سكنة للمحبوب احتفالا وابتهاجًا.
أليس من الإجحاف أن نربط هذه الكلمة بهدية؟ فماذا لو يكن بجيب الشاب سوى تكاليف مواصلاته إلى بيته؟ هل يستدين لكي يثبت لزوجته أو مخطوبته أو محبوبته أنه يحبها؟ أم تراه يُصارحها مطأطئ الرأس؟ أم يغرب عن وجهها ذلك اليوم مجتهدًا في التفكير لاختلاق عذرٍ مُقنع ليحصل على العفو والبراءة؟
رأيت في المرآة أن الفلانتاين يومٌ لإفساد العلاقات الزوجية وإظهار لأسوأ ما فيها، وضعْ تحتها مائة خط…
فويل للزوج إذا سها وأنْستْه الهموم أن يعود إلى بيته حاملًا الهدية….
وذلك الذي أتى بهدية لا تُناسب تطلعات الزوجة الشغوفة بالمقارنات، انظر إلى الكدر الذي يعلو وجهها، وذلك الأثر الذي لن ينمحي…
أو الذي يسوم زوجته سوء العذاب طيلة العام وهو يُلقي إليها بالهدية في ذلك اليوم، وكأنه يطرح في وجهها رطلا من اللحمٍ تُعده للعشاء…..يبدو أن الرجل يحترم التقاليد لا البشر….
أو ذلك الزوج الرومانسي الحالم، الذي ظن أن زهرةً حمراء يُعبر بها عن حبه كفيلة بإسعاد زوجته… يا له من مسكين حالم…
وماذا عن راتب الشهر الذي لن يتمكن معه من شراء الهدية؟ لا شأن لنا هي مشكلته وحده، وليست هي أقل من ابنة خالتها التي أتحفها زوجها بهدية ثمينة…..لا مشكلة، ففي الاستدانة فسحة.
ما لنا قد ثمِلنا وألغينا عقولنا؟ أكلما صاح بنا منادي التقليد لبَّيْنا؟
استفيقوا يرحمكم الله…
مقالة مضحكة ومبكية، أعجبتني كثيرا فيها من الطرفة التي تمتع القاريء. لاسيما فقرة :”أو ذلك الزوج الرومانسي الحالم، الذي ظن أن زهرةً حمراء يُعبر بها عن حبه كفيلة بإسعاد زوجته… يا له من مسكين حالم…”.
😂😂😂 … ضحكت حتى أدمعت عيناي سامح الله وغفر لك.
بارك الله فيكم
بارك الله فيك
جزاك الله خيرا
جزاك الله خيرا
لدينا موروث ثقافي عاطفي ضخمٌ جداً،،ولدينا دينٌ أفرد للعاطفة مساحات شاسعة في نصوصة وتشريعاته،،لكن وبسبب تركنا للدين وخوفنا من أن نظهر بمظهره،،أبعدنا عن فهم أشيآء كثيرة ومنها الحب، ،فرحنا نستقي ونتشرب من كل وحلٍ ظآنِّين أننا نرتوي ونسد جوعاً والحقيقة الماثلة أننا نزدادُ نهماً،،ونحنُ عطشى،،
جُزيتي خيراً أستاذتنا،،
لا وردة حمراء تهديها إلي تفرحني ولا قلب أحمر مرصع بالياقوت يسعدني ولا حتى قارورة عطر أعجبك شذاه
يا سيدي الرجل ما يعجبني أن أكون أنا وردتك طوال الوقت وقلبك أنت في كل حين وأن أكون أنا العطر الذي يعجبك شذاه
يا سيدي الرجل أنا لا أطلب أكثر من تكون أنت..أنت بحبك وأن أكون أنا …أنا بحبي لك