الرئيسية / خواطر / حكاياتي

حكاياتي

علمتني جدتي فنون الطبخ البلدي، وعَادة البسملة والصلاة على النبي، وضرورة استغلال ماء الوضوء في سقاية حوض الليمونة التي تجاورها زيتونة- نحيلة القوام- وشجرة لوز، ما أزهرت – يوما – بعد رحيلي..!!

وعلّمني جدي كيف أعشق بلادي ولو مسّني الجوع !!

وكيف أشعر نحو- الدولة- بالامتنان ولو حُرمتُ من منحة دراسية في جامعة هامشية في أبعد مدينة عن قريتي (هي من حقي)، فلم أطلب أن يتم إرسالي بمال الأردنيين كما تم إرسال سواي الى هارفارد او اكسفورد او كامبردج …

ولم أحلم أن أتسلّم يوما كما تم تسليمهم (بعد عودتهم سالمين)، مناصب تليق بأسماء آبائهم الذين تقاسموا السلطة كما نهبوا خيرات البلاد وتسوّلوا باسم أهلها عقودا وتحت رعاية رموز العرش (نفسه) … بينما أجدادي يحرثون الأرض ويبذرونها ويحرسون حدودها ويُعلون البنيان ليشيخ الواحد فيهم وراتبه التقاعدي لا يتجاوز ثمن نظارة شمسية اشترتها إحدى الأميرات الفاضلات لصديقتها الفاضلة التي تسكن دابوق للتباهى بها الأخيرة في السناب تشات!! أمام دهشة تلميذة حصلت على معدل بالتسعين في الثانوية، تغادر قريتها بعد الفجر وفي حقيبتها الدينارين او الثلاث، تقف بانتظار الباص صباحا على مثلث القرية دون معطف من فراء قوتشي ودون نظارة شانيل او واقي بشرة في الصيف !! لنا اجراءاتنا الخاصة في تدبّر أمر الحرّ والبرد والوقوف للباص والتجاعيد، ولكن لا تجرحونا بما يفعل رموز قصوركم العامرة بما نتقرّب الى الله في عدم ذكره او الاشارة اليه !!

كان يجب عليّ أن أشعر بالامتنان نحو الحكومة والملك ومن يحرسون الملك بل ومن يفتحون باب السيارة للملكة (حفظها الله) او يُصففون شعرها، كان عليّ أن ألتزم امتناني ذاك حتى مماتي، ولو حُرمتُ تذكرة سفر لاستلام جائزتي الأولى في الشعر (الذي هجرته بعدها)، في مهرجان ٍ رُفع فيه علم بلدي، من أجل قصيدة كتبتُها ( أنا) عن وطنٍ تُغتال فيه القصائد على منصّات التتويج..!!

وأوصاني ابن عم جدي «المختار» بضرورة احترام قرارات الكبار ومُباركتها وتسويقها والتغني بها ولو سرق خُبزي لصٌّ تحرسه كلاب السلطة التي اختارت عني
وأكلت عني وباعتني
ولعبت بي وأشقتني 
بل واعتبرتني- فيما بعد- عبئا ثقيلا على وطن لا وقت للساسة فيه للمشاكسة فالعلاقات مع الدول الشقيقة ولو كانت (مجرمة) أهمّ من ألف كاتبة (كل راس مالها) تنحط بالسجن حتى تتعفّن !
وطن لا مجال عند خبرائه وعباقرته (خريجو هارفارد واكسفورد وكامبردج) للمساءلة أو المُطالبة بالحقوق أو الجدال..!!

*أما «عمي» الذي شارك بمعركة «الكرامة» والذي فقد جزءا من سمعه وهو يُلقّم المدفع ويُسلّك بيت النار برجاءات النصر – فعلمني أن أُخضع رقبتي لوُلاة الأمر ولو خانوا بالعلن او باعوا من تحت الطاولة او سرقوا معونات بلاد المنّ والأذى، بينما يعيش (بنو قومي) فقرا وتهميشا وذُلا !

لكني حين كبرت أَجدت فنونا أخرى خجلت جدتي من مجرد ذكرها وخجلتُ أنا من ان أسألها عنها ذات جلسة حول – ببّور او وابور مفقوء العين- يعلوه قدرٌ تسبح في جنباته «سليقة القمح» تحضيرا لعيد «الستّة من شوال» في زمن كانت فيه نهارات شوال «أقصر» وكان الصيام فيه أقلّ مشقّة وأيسر.. حين كان لطعم الأشياء الموسمية نكهة خاصة وترتيب صارم عندما كنا أشدّ إخلاصا ونقاء في كلّ شيء حتى في اجراءات التقرّب الى الله..!!

*وها أنذا كبُرتُ- ياجدي- وأنتَ رحلت..

كبُرتُ ولم تزرع فيّ الحكمة بذورها- بعد..

ولم تستطِل في حقولي سنابل الحقيقة،

ولم يطفُ على نهري غير هذا الوجع الذي وعدَتني به المعرفة عبر «عرّافة» سرّبت لي- مُبكرا- أن «الخلود» في أن تُحب الأشياء حولك ومن قلبك
بل وأن تتطرّف في حبها..
وأن الاخلاص للتراب رفعة..
وأن التفاني من اجل الحقّ فضيلة..

وأن الصبر على الأذى في سبيل الخير والعدل والجمال هو الهدف من وجودنا

بل الغاية من استخلافنا على هذه الارض..

وأكرر قولها :

يا ليتني يا جدّي.. ما دخلت العاصمة، ولا عرفت أشرارها وتُجّارها وزنادقتها وفُجّارها
وياليتني ظللت أظُنّ، بأن قريتي كفرابيل الحورانية في شمال الأردن هي ( آخر بلاد الدنيا ) وبأن إربد ( عروس الشمال) هي عاصمة العالم كله ..

يا ليت !!

====

طيب الله ذكركما ومقامكما يا جديّ أحمد علي الفقيه ( ابوعارف) ويا جدتي ( رفقه بنت حسن عبدالرحمن الفقيه) .. 
رحمكما ربّي وأسكنكما فسيح جنانه.. وجمعنا معكم في مستقرّ رحمته ..

الصورة لي مع جدي وجدتي -رحمهما الله وأحسن إليهما كما أحسنا لي – عام ١٩٨٠ ..

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

بعيدًا عن السياسة….قد بلغت الأربعين

كتعاقُبِ الفصول أعيش فصلًا يسمونه الأربعين، لَطَالما فررتُ منه قبل الحلول، لكن خطَّ الزمان لا …

13 تعليقات

  1. سيف الدين الشجني

    .

  2. المستنصر بالله عبد الرحيم

    يحفظك الله ويرعاك الأخت الكريمة
    إحسان أحسن الله إليك .
    ماأشبه قصتك بآلاف القصص من المحْرُومين
    والمهمشين في بلدان تسـلط عليها أشخاص
    قتلوا الكلمة وقتلوا النخوة وقتلوا العــزة .
    لا غفلة منهم ولا جهل منهم بل قصــدا وعزمــا
    وتلك وظيفتهم النذلة مكـلفون بتــأديتها ,

    فلا تـأسي على مــافات فالقـادم خيرا إن شـــاء الله .

  3. أبو الطيب النجار

    زادك الله عفة وحصنك من كل خطب وحفظك من كل سوء وزادك تقوى وإخلاصا وفهما وعلما

  4. الله يحسن اليك يااحسان ويحسن الي من ولدك ورباك وعلمك ويرحمنا جميعا تحت مستقر رحمته … اسم على مسمى ولك من اسمك نصيب بإذن الله

  5. ابراهيم محمد علي

    حفظك الله ورعاك ووفقك لم يحب ويرضى ..
    انت بالنسبة لنا فخر. فانت الرامي الذي ندعوا الله ان يسدد رميته ، يكفيك شرفا الدفاع عن الدين عن بصيرة وعن علم ..

  6. ايهاب عبداللاه

    حفظكي الله ونصركي واسعدكي استاذه احسان ورحم جدك وجدتكي وادخلهما الجنه ووالديكي اللهم آمين – متابعك من صعيد مصر

  7. ابو محمد يمني

    حفظ الله ورعاك واجرك على ماتقومين ورحم الله والديك وجدك وجدتك احيائا واموات اسأل الله ان ينير دربك وان يكون لك عونا ومعينا

  8. حفظ الله ورعاك واجرك على ماتقومين ورحم الله والديك وجدك وجدتك احيائا واموات اسأل الله ان ينير دربك وان يكون لك عونا ومعينا

  9. المهندس محمد الخطيب

    كان لي شرف متابعتك قبل اكثر من 8 سنوات , كنت اكاد اتفق مع كل ما تطرحين من افكار واراء جريئة وفهمت من بين سطور كلماتك انك انسانة على درجة عظيمة من الثقافة والمعرفة وانك فعلا تعشقين الوطن وكل الاوطان العربية والاسلامية وهذا كان القاسم المشترك الذي كان لي شرف مشاركتك فيه .
    الان انت وخلال هذه السنوات الثمانية , بدات ملامح الاحتراف وايصال الافكار الى من يتابعك الى درجة عالية يستطيع الرد العربي من المحيط الى الخليج ان يفهمها لانه وببساطة تتكلم عما يدور في قلبه وعقله ووجدانه .
    رحم الله الاجداد . بالمناسبة , ما زالت عروس الشمال تشغل حيز مركز الارض وعاصمة الحب ومنارة تاوفاء . تحياتي

  10. جواد بني صخر

    انا من اهل القرى وقد عانيت واشعر بمعانانك

  11. فاطمه الربابعه

    يا الله شو حلوه كلماتك تلامس القلب والوجدان.. أحيي كفرأبيل التي خرج من رحمها أناس مثلك فأنا بعد زواجي صرت احد سكانها

  12. ما شاء الله
    رحمة الله تعالى على كل موتى المسلمين

  13. الخطوه القادمه من طرفي هي شراء كتاب نصف المسافه لنفهم بقيه القصه 🙂
    اين كنت انت وكتاباتك من قبل استاذه ؟ 🙂
    شكرا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *