خمسة وخمسون عامًا مضت على جريمة حرق المسجد الأقصى، التي نفذها يهودي متطرف يوم 21 آب/أغسطس 1969م، فتضرر المسجد بشكل كبير، حيث أتت النار على واجهاته وسقفه وسجاده وأثاثه ومصاحفه، وامتدت إلى مسجد عمر، وطال الحريق ثلاثة أروقة من أصل سبعة، وسقط جزء من السقف، واحترقت 74 نافذة خشبية، وكذلك المنبر التاريخي الذي أحضره صلاح الدين من حلب بعد تحرير القدس من أيدي الصليبيين، والعديد من الأضرار الأخرى.
حينها قطعت الحكومة الإسرائيلية المياه عن محيط المسجد وتلكأت في إرسال سيارات الإطفاء، في ظل استخدام أهل القدس الوسائل البدائية لإطفائه إلى أن جاءت سيارات الإطفاء من بيت لحم والخليل ومناطق من الضفة، ثم زعم الاحتلال أن الحريق ناتج عن تماس كهربائي، وبعد أن أثبت الفلسطينيون أنه بفعل فاعل وألقت الحكومة الإسرائيلية القبض على منفذها، ادعت بعدها أن الفاعل معتوه ثم أطلقت سراحه.
كان الحادث جللًا، حتى أن رئيسة وزراء الاحتلال حينها غولدا مائير قالت: «عندما حُرق الأقصى لم أنم تلك الليلة، واعتقدت أن إسرائيل ستُسحق، لكن عندما حلَّ الصباح أدركت أن العرب في سبات عميق».
كان الحادث حلقة من سلسلة الجرائم الصهيونية بحق الأقصى لطمس معالمه وهويته، والتوطئة للحلم الصهيوني المنشود وهو هدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم. وفي الوقت الراهن ازدادت محاولات تهويد الأقصى بشدة وتعالت المطالبات بهدمه وبناء الهيكل، بما يفرض علينا التساؤل: هل من الممكن بالفعل أن يتم هدم المسجد الأقصى؟ وهل هدمه ممتنع قدَرًا؟ كثير من الناس يتعامل مع هذه المسألة بشيء من الاطمئنان، باعتبار أن الأقصى أولى القبلتين ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم، وخصته الشريعة مع المسجد الحرام ومسجد الرسول بمزيد فضل عن سائر المساجد على الأرض، فبالتالي سوف يحميه الله.
هؤلاء يستحضرون دائما مقولة عبدالمطلب جد النبي محمد صلى الله عليه وسلم «للبيت رب يحميه» والتي قالها أمام أبرهة الذي غزا مكة لهدم كعبتها، فحدثت المعجزة التي تضمنت هلاك هذا الجيش بحجارة السجيل التي ألقتها الطير الأبابيل كما جاء في القصة التي أوردها القرآن الكريم.
مقولة عبدالمطلب لم تكن وحيًا، ومعجزة حماية المسجد الحرام كانت لتمهيد بزوغ شمس الرسالة المحمدية، وليس فيها دلالة على أن هدم الكعبة ممتنع قدرًا، فليس هناك نص قرآني أو نبوي ينفي احتمالية هدم الكعبة في وقت من الأوقات، فالله تعالى لم يتعهد بحفظها كما تعهد بحفظ القرآن الكريم من التحريف. بل قد هدمت الكعبة مرتين بعد الإسلام، مرة عندما هدمها عبدالله بن الزبير بعدما احترقت في عهد يزيد، ثم أعاد ابن الزبير بناءها، والمرة الثانية عندما دخل الحجاج مكة فهدمها وأعاد بناءها على النحو الذي كان قبل بناء عبدالله بن الزبير.
كما جاءت الأحاديث النبوية الصحيحة بأن الكعبة سوف يتم تخريبها في آخر الزمان، فدل على أن هدم الكعبة غير ممتنع قدرًا في أي زمن من الأزمان حتى وإن أعيد بناؤها. الأمر نفسه يقال في الأقصى، ليس هناك من نص نبوي أو قرآني يخبرنا بامتناع هدمه أو تخريبه. وقد يعترض البعض على هذا بأن المسجد يتعلق بأحكام شرعية كاختصاصه مع الحرمين بشد الرحال وزيادة أجر الصلاة فيه عن غيره، فالجواب أن هدمه لا يبطل خصائصه، فالأرض التي عليها البناء مقدسة سواء كان البناء موجودا أو غير موجود، والله تعالى سماه مسجدا في سورة الإسراء على الرغم من أنه كان وقت الرحلة المباركة ساحة لم يكن بها البناء المعروف الذي نعرفه. كما أنه ظل في أيدي الصليبيين قرابة قرن من الزمان لا يرفع فيه أذان، وعلى الرغم من ذلك لم تنتف خصوصيته.
أردت طرح هذه القضية حتى لا يركن البعض إلى فضائل الأقصى ومكانته الدينية اعتقادًا منهم بأنه معصوم من الهدم، وأنه بالضرورة سوف تحدث معجزة ربانية لحمايته على غرار الطير الأبابيل، وبناء على ذلك ينبغي رفع درجة الانتباه واليقظة تجاه المخططات الصهيونية لتهويد الأقصى وهدمه، وإذكاء الحمية لنصرته والدفاع عنه، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.