“رأس الأفعى”، “عشّ الدبابير”، نموذج من العبارات التي توصف بها قطر على لسان محللين وكُتّاب إسرائيليين، فتحيلنا تلك المذمة إلى قول المتنبي:
وَإِذا أَتَتكَ مَذَمَّتي مِن ناقِصٍ
فَهِيَ الشَهادَةُ لي بِأَنِّيَ كامِلُ
يدير الصهاينة حملة دعائية شعواء على نطاق دولي ضد قطر وصفت بأنها الأكبر، تدعو إلى مقاطعة قطر واتهامها بدعم الإرهاب، والتشكيك في وساطتها بين المقاومة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي، وتحميلها مسؤولية عدم الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، نشرت الوكالة الفرنسية تقريرا مفصلا عنها بأقلام باحثين في التضليل الإعلامي.
من بين هذه الدعايات المعادية، دعاية نشرت خلال اجتماع لناشطين وسياسيين محافظين في الولايات المتحدة الأمريكية، شارك فيها ترامب.
Shame on Qatar موقع إلكتروني بعدة لغات يتهم قطر بتمويل إرهابيين ويدعو إلى مقاطعة المؤسسات التي تشرف عليها مثل متاجر هارودز في لندن ونادي باريس سان جرمان الفرنسي وفندق نيويورك بلازا.
وعبر فيسبوك ، استخدمت آلاف الصفحات لتمرير أكثر من 900 إعلان مناهض لقطر، يدعو لعزلها سياسيا ويتهمها بالترويج للإرهاب، كما نشطت الحملة عبر منصات “إكس”، و “تيك توك”، و “يوتيوب”.
وتضمنت الحملة إعلانات مدفوعة في بعض الساحات الكبرى مثل تايم سكوير في نيويورك.
ليست هذه الحملة بجديدة، فمنذ عشر سنوات تظاهر شباب ينتمون إلى مجموعة أصدقاء إسرائيل في ساسكس، ومجموعة ملتقى مجموعة العمل الإسرائيلي، أمام السفارة القطرية في لندن، تزامنا مع حملة تزعمتها ذا تليغراف البريطانية لاتهام قطر بتمويل الإرهاب.
الهدف واضح، وهو تضييق الخناق على قطر باعتبارها وسيطا دوليا للضغط، على المقاومة للتنازل أمام الطموحات الصهيونية، في عصر تستخدم فيه فزاعة الإرهاب ضد أي دولة تحاول الخروج عن السياق.
الوساطة في النزاعات أيضا ليست جديدة على قطر، والتي نجحت في الالتزام بسياسات ثابتة ومستقلة رفضت الخضوع للإملاءات الخارجية مع الحفاظ على علاقات جيدة مع الدول الكبرى، وعلى مستويات معينة من العلاقات غير المنحازة مع الأطراف المتصارعة، ما جعلها مؤهلة للعب دور الوسيط “الناجح” بين تلك الأطراف. فمن ذلك الوساطة في صفقة تبادل الأسرى بين أمريكا وطالبان، والوساطة بين جيبوتي وإريتريا، والتوسط لإنهاء أزمة راهبات معلولا، والإفراج عن صحفي أمريكي مختطف في سوريا، والإفراج عن 45 جنديا تابعين لقوات حفظ السلام في سوريا أيضا.
في صدارة تلك الوساطات، قيامها بدور وسيط لا يمكن الاستغناء عنه في المفاوضات بين المقاومة والكيان الإسرائيلي، كان آخرها صفقات تبادل الأسرى التي تمت خلال حرب طوفان الأقصى، وتوقفت بسبب العنت الإسرائيلي.
لكن الاحتلال وأعوانه، لا يقبل أن تكون قطر دولة وساطة تقف على الحياد، الاحتلال يريد أن تكون قطر أداة ضغط على المقاومة الفلسطينية للقبول بالشروط الإسرائيلية.
يأتي الدعم القطري لقطاع غزة وفلسطين بشكل عام، أحد الأسباب التي تتهم من أجلها قطر برعاية الإرهاب، فإلى جانب العمل الإغاثي النشط، زارت الوزيرة القطرية لولوة الخاطر غزة في ذروة الحرب، كأول مسؤول رسمي في العالم يزور القطاع في ذلك الوقت.
قامت قطر بدور جريء في الوساطة بين الدول والمنظمات الإسلامية التي يتوارى الجميع عن التصدر لمشهد يجمع الطرفين خشية الاتهام بدعم الإرهاب، لكن قطر كانت رؤيتها واضحة، عبر عنها تصريح أميرها في قمة عمان: “”إذا كنا جادّين في تركيز الجهود على المنظمات الإرهابية المسلحة، هل من الإنصاف أن نبذل جهدا لاعتبار تيارات سياسية نختلف معها إرهابية، على الرغم من أنها ليست كذلك. وهل هدفنا أن نزيد عدد الإرهابيين في هذا العالم؟.
فقطر ذات انفتاح نسبي على القوى الإسلامية المعتدلة، باتجاه تقارب مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يعادل في الحقيقة استثمارا في صناعة السلام، أو في الانفراج في العلاقات بين الشرق والغرب، أو بين الإسلام وغيره.
والغريب أن المجتمع الدولي الذي يتهمها بدعم الإرهاب هو نفسه من يلجأ إليها في التفاوض مع طالبان وحماس وغيرهما، لسبب بسيط، هو دورها الحيادي الذي يجعلها محل ثقة جميع الأطراف.
على الشعب القطري أن يتكاتف، ويلتف حول قيادته لمواجهة هذه الحملة الشرسة التي تهدف إلى إخراج قطر عن المسار المتزن في العلاقات الدولية، وعن التخلي عن القضية الفلسطينية، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.