التساهل في التكفير ليس من منهج أهل السنة

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا).

تحذير شديدٌ أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم وصار دستورًا للأمة في الحكم على الناس وعلمًا على منهج أهل السنة، فهم يحتاطون في التكفير أشد ما يكون، فليس إيمان الناس وصفًا يلبسه البعض على البشر وينزعونه عنهم كلما أرادوا.

ما من ملةٍ إلا وتجد فيها من يجري أحكام الكفر على الناس، حتى ترى مذاهبها وطوائفها يكفر بعضها بعضا، الإسلام كذلك يتناول دوائر الإيمان والكفر، وليس التكفير يسيء إلى المنهج في العموم، إنما التطرف في إطلاق أحكام الكفر والحيدة بها عما قررته الشريعة هو ما ينبغي إنكاره.

نعترف كمسلمين أن هناك من أبناء الأمة وجماعاتها من زلت أقدامهم في هذا الباب، لكنه لا يُحكم على الإسلام من خلال مسلك أتباعه، لأن منهم المتمسك بدينه ومنهم المفرط، منهم العالم بتعاليم شريعته ومنهم الجاهل بها، فلا ينبغي محاسبة المنهج القويم بما يفعله أهله.

أهل السنة يحتاطون في تكفير الشخص بعينه، ولا يكفرون أحدًا من أهل القبلة بما يصدر عنهم من فعل الكفر أو قوله دون النظر إلى شروط التكفير وانتفاء موانعه، فهم يطلقون التكفير على العموم، كقولهم: من سب الدين فهو كافر، أو من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر، أو من أنكر معلومًا من الدين بالضرورة فهو كافر، وأما في الحكم على الشخص بعينه إن أتى بقول الكفر أو فعله فلا يُكفر حتى يتم التحقق من توافر شروط وانتفاء موانع، فلا يكون جاهلًا أو مكرهًا أو مُتأولا..

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: «القول قد يكون كفراً، فيطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها».

لقد التزم أهل السنة هذا المنهج في الحكم على الآخرين حتى وإن ناصبوهم العداء، وهو ما فعله الإمام أحمد مع من قال بقول المعتزلة بأن القرآن مخلوق وامتحنوا الناس عليه بسيف السلطان، ولاقى أحمد بسببهم الأذى أعوامًا، ومع ذلك لم يكفرهم الإمام لعلمه أنهم متأولون مخطئون.

ذلكم هو منهج أهل السنة في الحكم على الناس، يحتاطون في تكفير المعين، فلا يكفرون ابتداءً بذنب ما لم يستحله فاعله، فإن أتى بفعل الكفر أو قوله لم يحكموا عليه بالكفر حتى تنتفي عوارض الأهلية، لأن التكفير عندهم ليس هدفًا ومطلبًا، ولا يفعلون إلا إذا أقيمت الحجة على أصحابها عملًا بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإذا عرف ذلك بطلت دعاوى المبطلين الذين يحاسبون الإسلام على من أساؤوا إليه بالتكفير بغير وجه حق، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

لا تلوموا المظلوم على الشماتة بظالمه

«كما لو أن قنبلة ذرية أُلقيت على هذه المناطق»، بذا وصف روبرت لونا عمدة مقاطعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *