هل حُسمت نتائج الانتخابات المصرية المقبلة؟

بضعة أشهر تفصل المصريين عن استحقاقات انتخابية جديدة، تحدد ملامح السلطة التي تقود البلاد، إلا أنه وفي هذه الفترة التي يفترض فيها سخونة الأجواء، بات المشهد في مصر باهتا لمن يتابع الشأن المصري، وكأن هذه الانتخابات، باتت محسومة لصالح النظام الحالي.

وفي الحقيقة لم تخرج هذه التوقعات عن السياق الطبيعي بشأن تداول السلطة في مصر، بل في العالم العربي، فقد جرت العادة في معظم هذه الدول أن الحاكم يحكم ما دام حيا، وفي مصر في ظل الحكم العسكري لم يتخل أحد من رؤسائها عن السلطة في حياته.

بعيدا عن ذلك، فإن الوضع الراهن في مصر، يؤكد بقوة أن رئيس النظام عبد الفتاح السيسي سوف يحكم لفترة رئاسية جديدة، ولعل تدافع الأحزاب في مصر ـ بما فيها أحزاب ناصرية – لإعلان تأييدها لترشح السيسي مؤشر قوي على ذلك، فهذه الأحزاب منها ما يخدم النظام، ومنها من يستشرف فوز السيسي بفترة رئاسية جديدة، ومن ثم يحجز لنفسه موضعا في الحياة السياسية المقبلة. وبشكل مباشر أقول نعم، سيفوز السيسي بفترة رئاسية جديدة، فالمؤسسة العسكرية التي لا يصعد حاكم لسدة الحكم إلا من خلالها، رغم وجود بعض الخلافات بينها وبين السيسي، إلا أن هذه المؤسسة بمجلسها العسكري، لا تبدو رافضة لحكمه، فالجيش المصري تمتع في سنوات حكمه الماضية بامتيازات لم تكن له في السابق، ويكفي أنه بات كيانا اقتصاديا موازيا لاقتصاد الدولة، إلى الحد الذي جعل المستثمرين يتقون الاستثمار في بلد تغول فيه الجيش باقتصاده القوي، فحتى الآن لا يجد الجيش مبررا قويا لإسقاط السيسي من حساباته، خاصة أنه لا يسمح بوجود حاكم مدني. ونعم سيفوز السيسي بفترة رئاسية جديدة، لأن مؤسسات الدولة الصلبة لم تزل في نطاق سيطرته، من شرطة وقضاء وإعلام، والجيش كما أسلفنا، ولا شك في أن دعم هذه المؤسسات يعد فيصلا في هذا الشأن.

وبالنظر إلى شكل الحياة الحزبية في مصر، نجزم بهذه النتيجة، فقد نجح النظام في خلق أحزاب كرتونية ما بين أحزاب موالية بكليتها، وأحزاب أخرى تلتحف بوصف المعارضة على سبيل الديكور، وإضفاء طابع التعددية الحزبية. يؤكد هذه التوقعات المسبقة، خلو الساحة من الرموز القوية القادرة على المنافسة، فحتى الآن كل الأسماء التي تعتزم الترشح للانتخابات، غريبة على أسماع معظم المصريين، ليسوا بذوي شعبية تُذكر.

إضافة إلى ذلك، تتخبط بعض الأحزاب في داخلها ولا تتفق على الدفع بمرشح لها، وحتى التيار المدني لم يتفق على شخصية يتم الدفع بها للمنافسة، خاصة في ظل مخاوف عدم وجود نزاهة وشفافية في الانتخابات المقبلة، وأصبح هناك صوت قوي داخل هذا التيار لمقاطعة الانتخابات لإحراج السيسي. البعض كان يستشرف تغيرات في الموقف الغربي الأمريكي من النظام المصري تُنبئ بالتخلي عنه، بعد إنتاج الفيلم الوثائقي العالمي عن أحداث فض اعتصام رابعة الدموية، وعلى إثر تبني الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية نبرة حادة في خطابها ضد رئيس النظام المصري، لكن من المستبعد أن يتم التخلي عن الرجل، خاصة أن حماية الأمن القومي الإسرائيلي أبرز الأسس التي تقوم عليها السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، وقد نجح النظام المصري في وأد المخاطر الداخلية التي من الممكن أن تهدد الأمن الإسرائيلي، أما الحديث عن مخاوف الانفجار الداخلي بسبب الأوضاع الاقتصادية، بما يمكن أن يهدد المصالح الأمريكية، فأعتقد أن النظام لا يشعر بالقلق حاليا، وقد أحكم قبضته على زمام الأمور، بما يستبعد معه اندلاع أي حراك داخلي يهدد المصالح الأمريكية. وربما كان انضمام مصر إلى مجموعة بريكس، يلقي بالدولة في أحضان المعسكر الشرقي، وهو يصب في صالح النظام الحالي، سواء في كونه ورقة يلاعب بها الولايات المتحدة لمنعها من الضغط عليه، أو لكون هذا الانضمام مادة خصبة يعزف الإعلام المصري على وترها، باعتبارها أحد الإنجازات الاقتصادية الكبيرة لرئيس النظام للعبور بمصر من هذا النفق الاقتصادي المظلم، ولا شك في أنه سيستفيد منه لتحسين الصورة قبل أن تدخل مصر فترة الاستحقاق الانتخابي.

الشعب المصري حاليا يعاني سكرة الأوجاع الاقتصادية المروعة، وأصبحت الأحوال المعيشية الرديئة هي الهم الأكبر لعموم المصريين، لكن الشعب مع ذلك يعادي فكرة المجهول، ويتخوف من القادم الذي لا يعرفه بسبب الاضطرابات التي عصفت بالبلاد في العقد الأخير، وربما يرى معظم المصريين، رغم تضررهم من سياسات السيسي الاقتصادية، أن من يعرفونه خير ممن لا يعرفونه، وأن السيئ ربما يتحول إلى أسوأ.

بقي القول إن الانتخابات المقبلة تختلف جذريا عن تلك الانتخابات السابقة في 2018 التي كانت مسرحية هزلية بشكل فعلي، إذ ترشح مجهول ضد السيسي ولكنه يؤيده في الوقت نفسه، الأمر اختلف بسبب التراجع الكبير لشعبية السيسي، ففي السابق كان كثير من المصريين ما زالوا يعيشون فكرة الزعيم المنقذ للبلاد من السقوط، أما اليوم، ومع إدراكهم حجم التغرير الذي وقعوا في شباكه، فإنه لا بد من إجراء انتخابات بشكل أكثر جدية، ولا بد من سيناريو مقبول لهذه الانتخابات، التي أجزم سلفا لما مضى ذكره أنها قد باتت محسومة النتائج، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

لا تلوموا المظلوم على الشماتة بظالمه

«كما لو أن قنبلة ذرية أُلقيت على هذه المناطق»، بذا وصف روبرت لونا عمدة مقاطعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *