ماذا يعني أن تشهد رمضان مُجددا؟

ماذا يعني أن يأتي الأسبوع القادم وتتناول سحورك ثم تُصلي الفجر وتصوم اليوم الأول من رمضان؟
يعني أن تتفقّد أهلك، أصدقاءك، جيرانك، حتما ستفقد أحدهم كان معك في رمضان الماضي، يصوم كما تصوم، ويقومُ كما تقوم، لكنه قد حصده الموت، وغيّبه في القبر عن شهود رمضان آخر، لقد تخطّاكَ الموت إليه، وغدا سوف يتخطى غيرك إليك.
وما المرء إلا راكبُ ظهر عمرِه على سفرٍ يُفنيه باليومِ والشهرِ
يبيت ويضحى كل يومٍ وليـلة بعيدًا عن الدنيا قريبًا إلى القبرِ
لقد اصطفاك الله ومدّ أجلَكَ لتشهد رمضانَ آخر، تتعرض فيه لنفحات الخير التي أودعها الله هذا الشهر، من عتقٍ ومغفرةٍ ورحمةٍ، لقد أقامك مرةً أخرى في ميدان السباق، لتتنافس مع المتنافسين، تُرفع لك الدرجات، وتُحطُّ عنك السيئات.

ربما لم تُدرك بعد، ما الذي يعنيه أن تشهد رمضان آخر، وما الذي يعنيه أن يزيد الله في عمركَ لتشهد هذا الشهر المبارك مرة أخرى، فمن غيرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُجلّي لك هذا المعنى؟ فتلقف هذا الحديث الجليل بكل جوارحك، وحفّز كيانك لتلقي هذا النبأ العظيم، ممن لا ينطق عن الهوى.

*عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الْآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا، فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ، فَقَالَ: ارْجِعْ، فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: «مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ‍ هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، وَدَخَلَ هَذَا الْآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ».

أرأيت يا عبد الله كيف صنع شهود رمضان؟ أرأيت كيف رفع المنزلة؟ أرأيت كيف سبَقَ به شاهدُهُ غيرَه؟ إنها نعمة عظيمة، كم يتمناها أهل القبور الذين حرموا شهود رمضان، فاقدر هذه النعمة قدرها، ولا تكن من الغافلين.

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

إثبات مسائل الاعتقاد بين النقل والعقل

لقد كانت مسائل الاعتقاد في القرون المفضلة تُستقى وتُثبت من خلال الوحي المتمثل في الكتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *