بعد جهود غير مسبوقة بذلتها الأمم المتحدة وأطراف محلية وإقليمية تم الإعلان مطلع أغسطس/ آب الجاري، عن تمديد الهدنة في اليمن للمرة الثانية لشهرين إضافيين.
وخلال إعلانه عن تمديد الهدنة، تحدث المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، عن أن هذا التمديد يتضمن التزاما من الأطراف بتكثيف المفاوضات للوصول إلى اتفاق هدنة دائم وموسَّع في أسرع وقت ممكن.
واقترح “غرودنبرغ” على الطرفين، “هدنة موسعة” للتوصل إلى اتفاق على آلية صرف شفافة وفعّالة لسداد رواتب موظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين المدنيين بشكل منتظم، وفتح الطرق في تعز (جنوب غرب) ومحافظات أخرى، وتسيير المزيد من وجهات السفر من وإلى مطار صنعاء، وتوفير الوقود وانتظام تدفقه عبر ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين.
في أبريل/ نيسان الماضي، نجحت الأمم المتحدة في إرساء هدنة “مؤقتة” لوقف فوري شامل لإطلاق النار، وفتح مطار صنعاء أمام وجهات محددة، وتخفيف الحصار عن موانئ الحديدة، وكلاهما ضمن سيطرة الحوثيين، في مقابل فك الحصار عن مدينة تعز، وتم بالفعل تنفيذ جزء من هذه البنود، حتى تمديد الهدنة للمرة الثالثة في 2 أغسطس الجاري لمدة شهرين.
وتعد هذه الهدنة والتمديد لها، الأطول في تاريخ الحرب في اليمن التي بدأت في سبتمبر/ أيلول 2014، بعد سيطرة جماعة الحوثي والمؤتمر الشعبي بقيادة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح على العاصمة صنعاء، وعلى معظم محافظات اليمن وصولا إلى مشارف مدينة عدن، عاصمة جمهورية اليمن الشعبية قبل توحيد شطري اليمن، الشمالي والجنوبي في تسعينيات القرن الماضي.
واستدعى ذلك تقديم الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، طلباً لتشكيل تحالف عربي بقيادة السعودية ضم عدة دول، أبرزها الإمارات، في العام 2015، لمنع الحوثيين من السيطرة على عدن، ودفعهم شمالا إلى مشارف العاصمة صنعاء.
ولا تزال الأطراف المحلية والدولية تعتقد أأن احتمالات تمديد الهدنة الأممية رهن بمواقف كل القوى المعنية بما فيها الأطراف الخارجية الإقليمية والدولية.
وتأمل الأطراف الساعية لتمديد الهدنة، الأمم المتحدة وسلطنة عُمان، الترتيب لوقف إطلاق نار دائم، يقود إلى مفاوضات مباشرة بين أطراف الحرب اليمنية، تفضي إلى إحلال السلام في البلاد.
وتدعم الولايات المتحدة ودول من الاتحاد الأوربي وبريطانيا وعدة دول عربية تمديد الهدنة الأممية في اليمن لمدة عام أو ستة أشهر على الأقل، وهو موقف ينسجم مع موقف الممثل الأممي الخاص الذي يواصل جهوده بالتنسيق مع الأطراف اليمنية لتثبيت الهدنة.
وادت الهدنة المؤقتة الهدنة عمليا غلى توقف هجمات التحالف ضد الحوثيين وكذلك الهجمات العابرة للحدود التي دأبت جماعة الحوثي على تنفيذها ضد أهداف حيوية في السعودية، والإمارات في أحيان قليلة.
وتشير بعض التقديرات إلى أن ما يزيد عن 1300 هجوم بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة والقوارب الحربية، نفذتها جماعة الحوثي خارج حدود اليمن، اعتبارا من تشكيل التحالف العربي عام 2015 إلى بدء الهدنة “المؤقتة” في أبريل الماضي.
بدأت الهدنة المؤقتة في أبريل/ نيسان الماضي، باتفاق الأطراف المتحاربة تحت رعاية الأمم المتحدة على تجميد جميع العمليات العسكرية واستئناف الرحلات الجوية من مطار صنعاء وإليه بمعدل رحلتين أسبوعيا، والسماح بدخول الوقود إلى ميناء الحديدة ومنه إلى مناطق سيطرة الحوثيين، وفتح الطرق المؤدية إلى مدينة تعز.
ومُددت الهدنة لشهرين إضافيين اعتبارا من 2 يونيو/ حزيران انتهت في 2 أغسطس ومُددت للمرة الثالثة لغاية 2 أكتوبر/ تشرين الأول القادم.
ووفق منظمات يمنية تصف نفسها بأنها مستقلة، فإن ما يزيد عن 1700 خرق لوقف إطلاق النار بين طرفي الحرب ما بين 2 أبريل وبداية الأسبوع الرابع من يوليو/ تموز، منها 1578 خرقا من قبل جماعة الحوثي شمل هجمات بالصواريخ وقصفا بالمدفعية، وأكثر من مائة هجوم بالطائرات المحلية على مواقع تابعة للحكومة اليمنية والقوات المتحالفة معها داخل اليمن، فيما لم تنفذ الجماعة أي هجوم خارج الحدود اليمنية.
ويعتقد محللون، أن الحكومة اليمنية برئاسة المجلس الرئاسي، قدمت المزيد من التنازلات خلال أربعة أشهر من سريان الهدنة المؤقتة، أبرزها السماح لجماعة الحوثي بإصدار جوازات سفر باسم اليمن، وهو حق سيادي للحكومة الشرعية المعترف بها من الأمم المتحدة.
كما تم السماح بتدفق النفط إلى ميناء الحديدة، ما يعطي جماعة الحوثي إيرادات إضافية قد تعزز الانفاق على المجهود الحربي.
وقدمت الحكومة كل تلك التنازلات في مقابل التزام جماعة الحوثي بأهم بنود الهدنة المتعلقة بفك الحصار عن مدينة تعز، التي يقطنها ما يزيد عن ثلاثة ملايين يمني يعانون من حصار كامل منذ عام 2016.
ولم توافق للآن جماعة الحوثي على فتح الطرق الرئيسية المؤدية إلى مدينة تعز وفق بنود اتفاق الهدنة، لكنها فتحت طريقا بريا ضيقا لا يصلح لحركة شاحنات النقل الكبيرة، وفق ما تنشره وسائل إعلام محلية.
وفي ظل التوترات التي تسود عددا من دول الشرق الأوسط، والحرب الروسية في أوكرانيا، والتوترات بين الولايات المتحدة والصين، وبؤر توتر أخرى، اتجهت الأطراف الإقليمية والدولية للتخفيف من حدة الصراعات الإقليمية أو الحروب الداخلية، للحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي في الشرق الأوسط.
وستظل الدول الكبرى التي تستهلك كميات هائلة من البترول بحاجة إلى تعزيز أمن الممرين المائيين، مضيقي هرمز في الخليج العربي وباب المندب في البحر الأحمر، حيث تعتقد تلك الدول أن سيطرة جماعة الحوثي على مقتربات المضيق، من شأنها تهديد حرية حركة التجارة الدولية ومرور الطاقة من دول الخليج المنتجة للنفط إلى الأسواق العالمية، تفاديا لزيادات غير متوقعة في أسعار النفط بعد الحرب الروسية في أوكرانيا منذ فبراير/ شباط الماضي.
ويسود اعتقاد لدى منحللين عرب على نطاق واسع أن التدخلات الإيرانية عبر الدعم المالي والتسليحي لجماعة الحوثي للضغط على الولايات المتحدة والسعودية، أعطت الجماعة قوة إضافية.