– تكتسب الجولة الخامسة من الحوار الاستراتيجي أهمية خاصة حيث تتزامن مع تصاعد التوترات الدولية على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، كما أنها تسبق زيارات مرتقبة للرئيس الأمريكي قد تشمل السعودية..
– من المهم لروسيا استمرار الدول الخليجية على موقفها “المتوازن” من الحرب في أوكرانيا، وعدم تحميل روسيا تبعات أزمة الغذاء العالمية
قد لا تبدو روسيا ومجموعة البلدان الخليجية على وفاق كبير في الملفات التي تهم دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة ملف العلاقات مع إيران والتدخل الروسي في سوريا.
لكن هناك الكثير من المشتركات التي تجعل من روسيا لاعبا فاعلا في المنطقة في ملفات الطاقة والانفتاح الخليجي على القوى الدولية الفاعلة، بعد حزمة من الخلافات مع الإدارة الأمريكية حول الملف النووي الإيراني وحقوق الإنسان وملفات أخرى.
حاولت روسيا في السنوات الأخيرة من إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما (2008 – 2016) بناء علاقات استراتيجية مع السعودية والإمارات ودول خليجية أخرى، بعد المتغيرات التي أحدثها أوباما في طبيعة العلاقات الأمريكية مع دول المنظومة الخليجية التي ظلت طيلة عقود تعتمد على مظلة حماية أمنية أمريكية في مواجهة التهديدات الخارجية، والمصدر الرئيس الأول من مصادر التسليح.
أدى التخلي الأمريكي الجزئي عن الانخراط في ملفات المنطقة وتغيير أولويات السياسة الأمريكية، إلى تغيير في سياسات الدول الخليجية بالاتجاه نحو بناء علاقات أعمق مع دول العالم الأخرى، روسيا والصين والهند، في سياق تنويع مصادر التسليح والتكنولوجيا والصناعات العسكرية، والتنسيق مع روسيا في ما يتعلق بالتحكم في سوق النفط العالمي.
وجاء ذلك للحفاظ على مستوى إنتاج يكفل استقرار في أسعار النفط، ضمن مستويات تخدم اقتصادات الدول الخليجية والدول المنتجة للنفط في مجموعة (أوبك بلس)، التي تضم 23 دولة مصدرة للنفط منها 13 دولة عضوا في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
ظلت السعودية وروسيا شريكين أساسيين في تحالف الدول المنتجة للنفط (أوبك بلس) منذ عام 2016، بهدف تحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية بعد انهيار الأسعار عامي 2014 و2015.
ومع مجيء الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مطلع العام 2017، وزيارته الرياض في أول جولة خارجية له نهاية مايو/ أيار في ذات العام وعقد قمتين: أمريكية خليجية وأمريكية إسلامية، شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة والدول الخليجية مزيدا من التحسن واتفاقا ضمنيا على مواجهة التهديدات الإيرانية لدول المنطقة.
كما شهدت اتفاقا على تحجيم نفوذ القوى الحليفة لإيران، لكن ذلك لم يؤثر بشكل كبير على علاقات الدول الخليجية مع روسيا التي حرصت السعودية على تعميق العلاقات معها وتعميقها بشكل أكبر بعد انتخاب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وتبنيه خطابا مناهضا لسياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في ملفي الحرب في اليمن وحقوق الإنسان، وتمسك بايدن بجعل السعودية دولة “منبوذة” وإحجامه عن لقاء ولي العهد.
وفق تقارير إعلامية وتصريحات لمسؤولين أمريكيين، كان من المقرر أن تشمل جولة الرئيس الأمريكي المقررة نهاية الشهر الحالي دولا عدة في المنطقة، منها السعودية، لكن الزيارة تأجلت إلى منتصف يوليو/ تموز المقبل، مع تأكيدات من الرئيس الأمريكي بعدم وجود “خطط مباشرة” لزيارة السعودية، دون أن يستبعد الذهاب إلى الرياض لملاقاة ولي عهد السعودية، في ظل سعيه لتحسين العلاقات في الشرق الأوسط وانتزاع مواقف من السعودية بزيادة إنتاجها من النفط.
ولا تزال السعودية تتمسك بموقفها في عدم التخلي عن التنسيق مع دولة الإمارات وروسيا ودول مجموعة “أوبك بلس” في كل ما يتعلق بإنتاج النفط، دون الاستجابة للرغبات الأمريكية بزيادة الإنتاج لخفض أسعار النفط في السوق العالمية، وتلافي تبعات الحرب الروسية في أوكرانيا وتداعياتها على إمدادات النفط والغاز.
واحتضنت العاصمة السعودية في الأول من يونيو/ حزيران الجاري الجولة الخامسة من سلسلة اجتماعات الحوار الاستراتيجي بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي الست، بحضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزراء خارجية السعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت وسلطنة عمان.
وكانت دولة الإمارات قد استضافت الاجتماع الوزاري المشترك الأول للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا الاتحادية في الأول من نوفمبر 2011، لوضع قواعد وأسس تعاون خليجي روسي في مختلف الجوانب بما يعزز أمن وازدهار واستقرار وتنمية دول المنطقة والعالم.
وعقد الاجتماع الثاني في الرياض في نوفمبر 2012، بينما استضافت دولة الكويت الاجتماع الثالث في فبراير/ شباط 2014، والرابع كان في العاصمة الروسية في مايو 2016.
تكتسب الجولة الخامسة من الحوار الاستراتيجي أهمية خاصة بانعقادها بعد نحو ست سنوات من الجولة الرابعة، وتزامنها مع تصاعد التوترات الدولية حول الحرب الروسية في أوكرانيا وتداعياتها على قطاعي الطاقة والغذاء.
كما يلفت خبراء إلى أهمية هذه الجولة التي استضافتها الرياض حيث تستبق في توقيتها زيارة مرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن، “قد” تشمل السعودية، مقرر لها أن تناقش ملفات الحرب في اليمن والملف النووي الإيراني والحرب في أوكرانيا، مع توقعات بمناقشة ما يتعلق بالتطبيع بين العرب وإسرائيل، إضافة إلى الضغط باتجاه زيادة ضخ النفط إلى السوق العالمية، والاستجابة للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي على روسيا.
ويؤكد وزير الخارجية الروسي في تصريحات أدلى بها بعد وصوله إلى الرياض لوسائل إعلام خليجية، أن دول مجلس التعاون الخليجي “لن تنضم إلى الغرب في فرض عقوبات على موسكو بسبب النزاع في أوكرانيا”.
وتسعى روسيا ودول المجلس من خلال اجتماعات الحوار الاستراتيجي إلى تعزيز العلاقات بينهما، وخلق فرص جديدة للتعاون والتنسيق وصولا إلى شراكة استراتيجية في كافة المجالات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، وتبادل وجهات النظر في الملفات الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
سيكون من المهم لروسيا استمرار الدول الخليجية على موقفها “المتوازن” من الحرب في أوكرانيا، وعدم تحميل روسيا تبعات أزمة الغذاء العالمية الراهنة، ومواصلة استعداد السعودية للعب دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا، والابتعاد عن الموقف الأمريكي في تأييد أوكرانيا ودعمها ضد روسيا.
ويدعم مجلس التعاون الخليجي جهود الوساطة لوقف إطلاق النار، والوصول إلى حل سياسي، وإعطاء الأولوية للحوار، وحل النزاع من خلال المفاوضات، استنادا إلى مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
ومن المهم لدول الخليج العربية حث موسكو على تعزيز الأمن الإقليمي بالضغط على “حليفتها” طهران، للحد من تدخلها في الشؤون الداخلية لدول الخليج والمنطقة، والتهديدات الناجمة عن مواصلة إيران سعيها لامتلاك السلاح النووي، والحصول على ضمانات أمنية روسية في هذا الشأن، وإبعاد الدول الخليجية عن أي صراع عسكري روسي أمريكي محتمل، وتجنيب القواعد الأمريكية الموجودة في بعض هذه الدول مخاطر الصراع.
وركزت جلسات الجولة الخامسة من الحوار الاستراتيجي على تعزيز التعاون في القطاع الاقتصادي، وتوريد المنتجات الزراعية الروسية، وإدخال التقنيات الروسية في مجالات الطاقة النووية والاستخدامات السلمية لها، وتنفيذ مشاريع مشتركة في كل من روسيا ودول الخليج الست، بما يعزز تطوير الاستثمارات والتعاون التجاري والاقتصادي، إضافة إلى تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب والتطرف ومواجهة التحديات والتهديدات المشتركة في الشرق الأوسط والعالم.