– الدول العربية الداعمة للبنان تتخوف من أن يصب الدعم في صالح جماعة “حزب الله” وحركة “أمل” بما يخدم النفوذ الإيراني في المنطقة
– اللبنانيون لا يعولون كثيرا على إمكانية إحداث تغييرات إيجابية بعد انتخابات 2022 في ظل توقعات بإعادة القوى التقليدية المهيمنة إلى صدارة المشهد السياسي
– التخلي العربي عن لبنان قد يفاقم أزمتيه السياسية والاقتصادية واحتمالات تعميق الانقسامات بين القوى السياسية الفاعلة
في الوقت الذي تقود فيه فرنسا جهودا لحشد الدعم لتعزيز الاقتصاد اللبناني المتراجع بعد أكثر من عام منذ انفجار مرفأ العاصمة بيروت في 4 أغسطس/ آب 2020، ظل الموقف العربي عامة مترددا ومتراجعا بقدر كبير عن الانخراط الواسع في جهود استعادة هذا الاقتصاد لعافيته ومنع احتمالات انهيار البلد العربي.
ويشهد لبنان، منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019، حراكا شعبيا واحتجاجات على سوء إدارة مؤسسات الدولة وتراجع مستوى الخدمات وهبوط سعر الليرة اللبنانية بنحو 90 بالمائة من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي، وانعكاساته على مجمل الأوضاع الاقتصادية والسياسية في بلد يعاني منذ نحو عامين من أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه.
وترفع الحركة الاحتجاجية شعارات مناهضة لكل من “حزب الله” اللبناني، حليف طهران، والنفوذ الإيراني.
وفي الذكرى الأولى لانفجار المرفأ، نظمت فرنسا، في 4 أغسطس/ آب الماضي، مؤتمرا “افتراضيا” هو الثالث خلال عام للدول المانحة لدعم الاقتصاد اللبناني، وجمع نحو 370 مليون دولار، ووعدت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بتقديم 100 مليون دولار.
وكان الحضور العربي على مستوى رؤساء لبنان ومصر والأردن والعراق، بالإضافة إلى وزراء مثلوا السعودية والإمارات وقطر.
وسبق وأن استضافت باريس مؤتمرا “افتراضيا”، في 9 أغسطس/ آب 2020، شاركت فيه 30 دولة توافقت على أن تكون المساعدات “منسقة في شكل جيد، برعاية الأمم المتحدة، على أن تُقدم مباشرة إلى الشعب اللبناني مع أكبر قدر من الفاعلية والشفافية”.
وترى الدول العربية، المناهضة للمشروع الإيراني في المنطقة، أن “حزب الله، الحليف الأهم لطهران في المنطقة، يهيمن على مراكز القرار في الدولة اللبنانية، التي باتت مؤسساتها، بما فيها الأمنية، مهمشة وخاضعة له.
ولذلك، تعتبر الدول العربية أن أي دعم يمكن تقديمه للدولة اللبنانية سيصب بالتالي في تقوية “حزب الله” وتعزيز النفوذ الإيراني في لبنان بشكل أكبر.
وتهدد سيطرة “حزب الله” على ملفات عدة في لبنان ثقة العالم والدول العربية بالأمن والاستقرار المطلوب للاستثمار في القطاعات اللبنانية.
وتعد السعودية من بين أكبر الدول الداعمة للبنان في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975 – 1990)، ومصدرا مهما للدعم الخارجي من خلال المساعدات والمنح أو القروض والتحويلات والاستثمارات في القطاعات العقارية والسياحة.
لكن ثمة أسباب عديدة دفعت السعودية إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه لبنان عموما، والمساعدات المالية والعسكرية خصوصا، والاقتصار على مساعدات ذات طبيعة إغاثية، عبر منظمات دولية، دون المرور بمؤسسات الدولة اللبنانية.
ومن هذه الأسباب: توتر العلاقات بين السعودية وإيران منذ بداية عام 2016، وقبلها التدخل الإيراني في ملف اليمن (جار السعودية) عبر دعم جماعة الحوثي منذ 2014، وتدخل “حزب الله” في سوريا منذ 2012 إلى جانب قوات النظام، وفرض الحزب سيطرته على معظم مؤسسات الدولة اللبنانية.
وتركز السعودية في سياستها تجاه لبنان على ثنائية استعدادها للمساهمة في إعادة إعمار لبنان، لكن مقابل إصلاحات جذرية تقود أولا إلى إنهاء هيمنة “حزب الله” على الدولة اللبنانية.
وتشترط السعودية، وفقا لتصريحات وزير خارجيتها فيصل بن فرحان آل سعود، أن أي مساعدة تقدمها لـ”الحكومة اللبنانية تعتمد على كيفية قيامها بإصلاحات جادة وملموسة، مع ضمان وصول المساعدات إلى المستفيدين منها، وليس الفاسدين الذين يسعون للسيطرة على مصير لبنان”.
كما تقدم الإمارات مساعدات إنسانية للبنان، بالتعاون مع المنظمات والشركاء الدوليين.
وتشارك قطر الجهود الدولية والإقليمية لضمان الاستقرار في لبنان وإيجاد حلول جذرية لأزمته، مع مواصلة تقديم المساعدات الإغاثية غير المشروطة للدولة اللبنانية.
ويعمل كل من الأردن والعراق على تجاوز الاعتبارات السياسية ومواقف المجتمع الدولي الداعية إلى الإصلاح كشرط لتقديم المساعدات للبنان.
وبالتنسيق مع مصر، يعتزم الأردن تزويد لبنان بإمدادات الكهرباء والغاز عبر الأراضي السورية، فيما يقدم العراق المزيد من إمدادات النفط إلى لبنان.
ومنذ 2019، ونتيجة للأزمة الاقتصادية الحادة، استمر مسار العملة اللبنانية بالتراجع وخسارتها حوالي 90 بالمائة من قيمتها حتى اليوم، بالإضافة إلى نقص إمدادات الوقود والكهرباء، وشح في الدواء والسلع الاستهلاكية الأساسية؛ جراء تراجع حد في احتياطي لبنان من النقد الأجنبي اللازم للاستيراد.
وللأزمة الاقتصادية تداعيات على مؤسسات الدولة، ومنها مؤسسة الجيش التي تواجه أزمة مالية وتحتاج لمساعدات خارجية في مجالات شتى، بينها الوجبات الغذائية، حيث قدمت إسبانيا ودول أخرى المزيد من المساعدات في هذا المجال، ومنها 70 طنا تقدمها قطر شهريا.
ولا يعول اللبنانيون كثيرا على إمكانية إحداث تغييرات إيجابية بعد الانتخابات البرلمانية في 2022، في ظل توقعات بإعادة القوى التقليدية المهيمنة إلى صدارة المشهد السياسية، وهي القوى المتهمة بمسؤوليتها عن أوضاع لبنان السيئة، وتتمثل في الثنائي الشيعي، “حزب الله” وحركة “أمل”، بالإضافة إلى التيار الوطني (مسيحي)، بقيادة جبران باسيل، المتحالف معهما.
وتتحمل بنية النظام السياسي الجزء الأكبر من مسؤولية الأوضاع المتردية في لبنان.
وهذا النظام يعتمد على دستور لبنان واتفاقية الطائف لعام 1989، الخاصة بإنهاء الحرب الأهلية برعاية سعودية، في توزيع السلطة بين المكونات الأساسية على أساس الانتماء الديني والطائفي، بحيث يكون الرئيس مسيحيا مارونيا، ورئيس مجلس النواب شيعيا، بينما يكون رئيس الحكومة سُنيا.
وأدت التدخلات الإقليمية في لبنان إلى زيادة تعقيد الأزمات التي يعاني منها بعد ثورات الربيع العربي وحالة الانقسام التي شهدتها الساحة العربية بين قوى ودول مؤيدة لهذه الثورات وأخرى معارضة لها، إضافة إلى تأثير النفوذ الإيراني الذي اتسع أفقيا ليشمل سوريا، عبر حلفاء لبنانيين مثل “حزب الله”.
في مقابل ذلك، أخرجت تدخلات “حزب الله” الخارجية في اليمن وسوريا الدولة اللبنانية من حياديتها، التي حددها إعلان بعبدا لعام 2012 بشأن السياسة الخارجية بعد جولات من الحوار الوطني شارك فيها الحزب، وكانت تهدف إلى التعايش الداخلي والنأي بالنفس عن التدخل في النزاعات والصراعات الدولية والإقليمية، مثل التوترات بين الولايات المتحدة وإيران والحرب الأهلية في سوريا.
ومن بين أهم عوامل التردد العربي في تقديم الدعم للدولة اللبنانية، العلاقة الوثيقة بين “حزب الله” وإيران وتعاونهما في ملفي سوريا واليمن، إضافة إلى موقف التيار الوطني المتحالف مع “حزب الله” المعارض للإجماع العربي في الملف السوري وملفات إقليمية أخرى.
ولا تبدي السعودية ودول عربية أخرى اهتماما واضحا بالأزمة السياسية في لبنان، أو لعب أي دور مشابه لدورها في جمع الأطراف المختلفة، كما حدث في الطائف، للوصول إلى اتفاق جديد ينهي الخلافات بين القوى اللبنانية.
ويرى مراقبون أن التخلي العربي عن لبنان قد يفاقم أزمتيه السياسية والاقتصادية واحتمالات تعميق الانقسامات بين القوى السياسية الفاعلة بعد ما شهدته بيروت، في 14 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، من اشتباكات دموية بين حزب “القوات اللبنانية” (مسيحي) ومسلحي “حزب الله” و”حركة أمل”.
ولا تزال هذه الانقسامات اللبنانية تشكل عاملا من عوامل الاقتتال الداخلي واسع النطاق، بما ينذر بفوضى أمنية أو حرب أهلية جديدة تهدد بتفكك الدولة اللبنانية وانهيارها.