– تتجه الكثير من الدول صوب الدوحة لبحث ومناقشة ملفات المنطقة العربية، والملف الأفغاني والتطورات الاقليمية بشكل عام..
– يرى مراقبون، أن الدور القطري الفاعل في المنطقة جاء بعد سنوات طويلة من توظيف الموارد والالتزام بسياسات رافضة للخضوع للإملاءات الخارجية مع الحفاظ على علاقات جيدة مع الدول الكبرى..
– أثنى الرئيس الأمريكي على الدور المهم الذي لعبته قطر لتسهيل المحادثات بين الفرقاء الأفغان الأوسط
تتمتع دولة قطر بحضور فاعل في معظم ملفات المنطقة، وقبول من معظم الأطراف المحلية أو الإقليمية أو الدولية المتصارعة، سواء في ليبيا، أو سوريا، أو أفغانستان، أو قطاع غزة وغيرها.
تعتمد قطر في الغالب على سياسة “منفتحة” تجاه الدول الأخرى، بغض النظر عن علاقات الدول مع بعضها.
قد تلتقي قطر بعلاقات متينة مع دولتين على طرفي نقيض، مثل السعودية التي تشترك معها في عضوية مجلس التعاون الخليجي، وإيران التي تشترك معها بحقول الغاز، دون أن تتبنى موقفا من أي منهما، على الرغم من وقوف قطر سياسيا إلى جانب السعودية بعد إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر بداية عام 2016 وقطع العلاقات السعودية الإيرانية بالكامل.
وتعد قطر التي تحتل المرتبة الرابعة بقائمة الاقتصادات الصاعدة عالميا، من أكبر الدول المصدرة للغاز الطبيعي في العالم، وتتمتع بنفوذ مالي واسع في قطاعات مؤثرة في الاقتصاد العالمي.
وتعتمد قطر الاستثمار في ما يعرف باسم “القوة الناعمة” المتمثلة بتوظيف الإعلام والثقافة والاقتصاد والاستثمارات المالية والرياضة والمساعدات الإنسانية والإغاثية، إضافة إلى بناء علاقات متوازنة مع جميع دول الجوار العربي والإقليمي وعلاقات مماثلة مع القوى الكبرى في المجتمع الدولي.
ولسنوات طويلة أعقبت “ثورات الربيع العربي”، استغلت قطر علاقاتها بحركات الإسلام السياسي للعب دور الوسيط الفاعل والمؤثر في الجغرافية السياسية بالمنطقة العربية ومناطق أخرى، خاصة التي تشهد صراعات داخلية مسلحة مثل اليمن وليبيا وسوريا، تركز في الغالب على الجوانب الإغاثية، والوساطات للتخفيف من تداعيات تلك الصراعات.
في مقابل ذلك، كانت علاقات دولة قطر بحركات الإسلام السياسي والجماعات المسلحة “المعتدلة” قد أثارت المزيد من الخلافات لدول جيرانها في المنظومة الخليجية، السعودية والإمارات، أدت في عام 2017 إلى قطع جميع أشكال العلاقات معها من قبلهما، ومن دول أخرى مثل البحرين ومصر.
** موارد موظفة وسياسات ثابتة
يرى مراقبون، أن الدور القطري الفاعل في المنطقة، جاء بعد سنوات طويلة من توظيف الموارد والالتزام بسياسات ثابتة ومستقلة رفضت الخضوع للإملاءات الخارجية مع الحفاظ على علاقات جيدة مع الدول الكبرى، وعلى مستويات معينة من العلاقات غير المنحازة مع الأطراف المتصارعة أو المتباينة، ما جعلها مؤهلة للعب دور الوسيط “الناجح” بين تلك الأطراف والدول.
ومن بين أهم ما يميز السياسات القطرية، رفضها التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، كما ترفض قطر تدخل الدول الأخرى في شؤونها الداخلية.
وتنطلق قطر من أن الدول ذات سيادة، وأن قراراتها شأن خاص بشعوبها لا يحق لأحد التدخل فيها.
وتتجه الكثير من الدول صوب الدوحة لبحث ومناقشة ملفات المنطقة العربية، والملف الأفغاني والتطورات الاقليمية بشكل عام.
ففي زيارة نادرة لمسؤول أمني إماراتي بعد 4 سنوات من القطيعة بينهما، التقى رئيس الأمن الوطني الإماراتي شخبوط بن زايد آل نهيان مع أمير دولة قطر وكبار مسؤولي الدولة، إلى جانب زيارة وزير الداخلية السعودي واتصالات هاتفية من كبار قادة دول العالم والمنطقة، منها اتصال رؤساء فرنسا والولايات المتحدة وولي العهد السعودي بأمير قطر لبحث قضايا دولية وإقليمية، أهمها التطورات الأخيرة في أفغانستان.
افتتحت حركة طالبان في عام 2013 مكتبا سياسيا لها بالدوحة، فيما أشارت تقارير وسائل الإعلام وتصريحات قيادات الحركة أن الدوحة لم تمارس أي ضغوط على المقيمين لديها، بل عملت ما في وسعها لتسهيل عمليات التفاوض مع الأمريكيين وإحلال السلام في أفغانستان التي ظلت تعاني من حروب داخلية على ما يزيد عن أربعين عاما.
** إشادة وامتنان
ولعبت الدبلوماسية القطرية خلال عامين من المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الدور الأهم في تقريب وجهات النظر من خلال ثقة طرفي الخلاف بالدور القطري، وحرصه على التسوية وإنهاء الحرب.
ومنذ انسحاب الأمريكيين من أفغانستان، نقلت الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى سفاراتها إلى الدوحة لتسهيل التواصل مع قيادات الحركة وحكومة تصريف الأعمال التي تقودها.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته للدوحة، الثلاثاء 8 سبتمبر/ أيلول، أشاد بالدور القطري في مساعدة بلاده على مدى سنوات بتسهيل التواصل بين الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية السابقة من جهة، وحركة طالبان من جهة أخرى وصولا إلى إنجاز التسوية السياسية.
قدمت دولة قطر مساعدات متميزة في عملية إجلاء الأمريكيين والأجانب والمتعاونين الأفغان من مطار كابل، وهي العمليات التي كانت على رأس أولويات الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي تقدم هو وكبار أركان إدارته بالشكر لدولة قطر.
وأشاد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن بالدور القطري الحاسم في عملية الإجلاء.
وفي حديث له في 20 أغسطس/آب الماضي مع أمير دولة قطر، أثنى الرئيس الأمريكي على الدور المهم الذي لعبته قطر لتسهيل المحادثات بين الفرقاء الأفغان، وأهمية استمرار التواصل بين الولايات المتحدة ودولة قطر للتنسيق بشأن التطورات في أفغانستان والشرق الأوسط.
وشاركت دولة قطر في 9 سبتمبر/ أيلول في الاجتماع الوزاري الذي استضافته الولايات المتحدة وألمانيا في برلين حول أفغانستان، بمشاركة الدول الحليفة والشريكة للولايات المتحدة، وممثلين عن دول عدة وعن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
** أدوار متعددة ومتجاوزة
ولا يقتصر الدور القطري على الأزمة الأفغانية، إنما تلعب قطر دورا في العديد من الملفات الساخنة في المنطقة العربية لحاجة المجتمع الدولي لهذا الدور في تذليل العقبات التي تواجه عمليات التسوية للعديد من الأزمات والحروب الداخلية.
ويرى محللون غربيون أن هناك شراكة بشكل ما، بين حلف الناتو ودولة قطر، على الرغم من أن قطر ليست عضوا في الحلف، وقد تتم دعوتها مستقبلا للانضمام إلى جانب الولايات المتحدة والدول الحليفة لها من الأعضاء في الحلف.
وتعول الولايات المتحدة على الدور القطري من الناحية السياسية في رسم استراتيجياتها المستقبلية في أفغانستان في مرحلة ما بعد الانسحاب واستلام حركة طالبان السلطة في كابل.
وتنظر الولايات المتحدة منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني الماضي إلى قطر كدولة حليفة وشريك أول في الشرق الأوسط، يمكن أن تلعب أدوارا إيجابية في عدد من الملفات التي تهم الولايات المتحدة في المنطقة، في غزة أو سوريا أو ليبيا أو غيرها.
ويعد النجاح القطري في الوساطة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان فرصة ثمينة لمزيد من الأدوار الفاعلة في ملفات أخرى بعد أن كسبت ثقة الإدارة الأمريكية ومراكز القرار في واشنطن.