أنباء عن مباحثات سعودية إيرانية…فهل ينتهي صراع النفوذ؟

– صحيفة “فاينانشيال تايمز” قالت إن وفدا سعوديا التقى “سرًا” وفدا إيرانيا في 9 أبريل بالعاصمة العراقية
– المباحثات تضمنت تهدئة التوتر بين البلدين، وهجمات الحوثيين على السعودية، واتفاق لعقد مباحثات جديدة
– المباحثات تأتي استجابة لضرورات فرضتها سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة التي لم تعد حليفا موثوقا للسعودية
– نجاح المساعي العراقية قد ينعكس على مجمل الأزمات والصراعات الإقليمية بزوال العامل الخارجي لهذه الصراعات

​​​​​​شهدت العلاقات بين طهران والرياض تراجعا غير مسبوق مطلع العام 2016 بعد اعتداءات لمحتجين إيرانيين على السفارة السعودية لدى بلادهم وقنصليتها في مدينة مشهد، احتجاجا على إعدام المملكة رجل الدين الشيعي نمر النمر، وسحبت الرياض أفراد بعثتها الدبلوماسية من إيران وقطعت جميع العلاقات معها.

وكانت حدة الخلافات بين اللاعبين الإقليميين الأكثر تأثيرا في المنطقة، قد برزت إلى السطح بعد اتهام إيران السلطات السعودية بالتسبب في وفاة مئات الحجاج الإيرانيين في حادث تدافع بمكة المكرمة عام 2015.

وتصاعدت حدة التوترات بين البلدين وفي عموم المنطقة بعد انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي في أيار/مايو 2018، وفرض عقوبات “الضغط الأقصى” على طهران التي أيدها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وتتبادل الدولتان الاتهامات بتشجيع حروب الوكالة عبر دعم كل منهما لأطراف وقوى محلية في عدد من الدول العربية التي تشهد صراعات مسلحة، مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن.

بعد سنوات من القطيعة، أدرك الطرفان حاجة كل منهما إلى تهدئة التوترات، وخفض مستوى التنافس الإقليمي، والالتفات إلى الأزمات الداخلية، وتشجيع الجهود الدبلوماسية لحل صراعات المنطقة.

طيلة سنوات طرحت إيران أكثر من مبادرة ثنائية أو إقليمية، للتنسيق المشترك في مجالات الأمن والاقتصاد وغيرهما، لكن السعودية ظلت ترفض تلك المبادرات ما لم تستجب طهران لشروطها بوقف دعم جماعة الحوثي في اليمن والمجموعات الشيعية المسلحة بالعراق وسوريا والتي تشكل تهديدا جديا لأمن الرياض.

ومع دخول الحرب في اليمن عامها السابع، لا تزال جماعة الحوثي تستهدف البنية التحتية لقطاع الطاقة والمطارات ومحطات التحلية وغيرها بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية في العمق السعودي.

وتتهم السعودية الحرس الثوري الإيراني بدعم جماعة الحوثي وتزويدها بالخبرات والأسلحة والمسيرات والصواريخ لاستهداف العمق السعودي، وإطالة أمد الحرب في اليمن التي باتت تشكل عبئا على الاقتصاد السعودي وتهدد أمن المملكة.

كما أن واشنطن والرياض والأمم المتحدة اتهموا صراحة بعض فصائل الحشد الشعبي العراقي المقربة من إيران بالمسؤولية المباشرة عن استهداف منشآت شركة “أرامكو” النفطية في “بقيق” سبتمبر/أيلول 2019، وإلحاق أضرار جسيمة بالمنشأة وتعطيل تصدير النفط منها لأسابيع.

وتحاول طهران دفع السعودية باتجاه إعادة العلاقات بينهما إذا غيرت الرياض سياساتها في المنطقة، وفق بيان لوزارة الخارجية الإيرانية في يناير/كانون الثاني من العام الجاري.

كما أعربت طهران في فبراير/شباط الماضي على لسان سفيرها لدى بغداد إيراج مسجدي، عن استعدادها لتسوية خلافاتها مع الرياض عبر جهود تبذلها الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي للحوار بين البلدين.

وبحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، فإن وفدا سعوديا التقى وفدا إيرانيا في 9 أبريل/نيسان الجاري بالمنطقة الخضراء في بغداد، وتضمنت المباحثات “السرية” تهدئة التوترات بين البلدين، وهجمات الحوثيين على المملكة، والاتفاق على عقد جولة مباحثات جديدة.

ونقلت الصحيفة عن ثلاثة مسؤولين مطلعين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، قولهم إن مسؤولين سعوديين وإيرانيين رفيعي المستوى أجروا محادثات مباشرة لإصلاح العلاقات بعد خمس سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية.

وأضاف المسؤولون أن العراق توسط في المحادثات الثنائية، وأن هذا يحدث في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 وتهدئة التوترات الإقليمية.

ويُعتقد أن الكاظمي لعب دورا في عقد جلسة المباحثات بعد استجابة الرياض لوساطته، فيما قالت وسائل إعلام أجنبية إن رئيس وزراء العراق بحث ذلك خلال زيارته للرياض نهاية مارس/آذار الماضي ولقائه بولي العهد محمد بن سلمان.

وترأس الوفد السعودي في المباحثات الثنائية، خالد بن علي الحميدان، رئيس الاستخبارات، بينما ترأس الوفد الإيراني سعيد عرفاني نائب أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي.

ولم تعلق الحكومتان العراقية والإيرانية، في حين نفى مسؤول سعودي رفيع لصحيفة “فاينانشيال تايمز” في 18 أبريل إجراء أي مباحثات مع إيران.

ونقلت وسائل إعلام أجنبية عن مسؤولين عراقيين، لم تذكرهم بالاسم، أن المباحثات الإيرانية السعودية تركزت حول مبادرة وقف إطلاق النار التي أعلنتها السعودية باليمن في 22 مارس/آذار الماضي، ومدى قدرة إيران بالتأثير على حليفها الحوثي، وكذلك إجراءات بناء الثقة بين البلدين للتمهيد لجولات مباحثات لاحقة تفضي إلى تطبيع العلاقات بينهما.

ومن المنتظر أن يعقد الجانبان جولة مباحثات ثانية قبل نهاية الشهر، وفق وسائل إعلام عربية وأجنبية.

وتعد مباحثات الجانبين التي استضافتها بغداد، أول لقاءات رسمية بينهما منذ قطع العلاقات الدبلوماسية مطلع عام 2016.

وتأتي المباحثات استجابة لضرورات فرضتها سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة، التي لم تعد حليفا موثوقا أو شريكا للسعودية في مواجهة النفوذ والتهديدات الإيرانية المباشرة.

وتتطلع السعودية لإنهاء الحرب في اليمن ضد الحوثيين الذين كثفوا هجماتهم خلال الأشهر الماضية على البنية التحتية للطاقة والمنشآت المدنية والعسكرية في العمق السعودي.

وتأتي المباحثات الإيرانية السعودية في ذات الوقت الذي تسعى الدول الكبرى وألمانيا في فيينا لإعادة إحياء اتفاق الملف النووي لعام 2015، أو ما يعرف باسم “خطة العمل المشتركة”، بحضور الولايات المتحدة وعدم مشاركتها.

ترفض إيران القبول بالتفاوض مع الولايات المتحدة قبل رفع العقوبات التي فرضتها إدارتا الرئيسين السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب، وهو ما ترفضه واشنطن التي تطالب طهران بالامتثال للاتفاق النووي ووقف عمليات التخصيب أولا وإعادتها إلى مستوياتها المتفق عليها عام 2015.

ومن السابق لأوانه التنبؤ بنتيجة المباحثات بين إيران والسعودية، بحسب نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في تغريدة له عبر حسابه على تويتر.

وتعتقد إيران، وفق متحدث وزارة الخارجية سعيد خطيب زادة، أن الحوار مع السعودية يخدم مصلحة البلدين، وكذلك السلام والاستقرار في المنطقة، وهو تأكيد إيراني غير مباشر على صحة التقارير التي أشارت إلى مباحثات استضافتها بغداد بين وفدين البلدين في 9 أبريل.

من المحتمل أن تؤدي المباحثات المباشرة إلى تراجع في حدة العداء والتنافس الإقليمي بين إيران والسعودية في المنطقة، لكن ذلك قد لا يبدو مؤكدا في المدى القريب.

وتسعى إيران إلى استثمار التطبيع مع السعودية في مفاوضات الملف النووي، في مقابل حث جماعة الحوثي الحليفة لها على وقف استهداف العمق السعودي والجلوس إلى مفاوضات تفضي إلى تسوية سياسية للحرب في اليمن.

ويضطلع مستشار الأمن الوطني العراقي قاسم الأعرجي، بدور فاعل في الوساطة بين إيران والسعودية، وفق وسائل إعلام محلية.

والتقى الأعرجي في 20 أبريل السفير السعودي لدى بغداد عبد العزيز الشمري، واستعرضا “الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، والسبل الكفيلة بإنهاء الخلافات، بما يخدم مصالح دول وشعوب المنطقة”، يرى مراقبون أنها إشارة إلى المباحثات الإيرانية السعودية التي ترعاها حكومة مصطفى الكاظمي.

وسبق أن التقى الأعرجي في طهران بالأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني بطهران في 12 أبريل، إذا بحثا مستجدات العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها والقضايا الإقليمية والدولية، وما يتعلق بتنفيذ قرار مجلس النواب العراقي في يناير 2020 المتعلق بإخراج القوات الأمريكية من العراق.

يمكن لنجاح المساعي العراقية في تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية أن تنعكس على مجمل الأزمات والصراعات الإقليمية بزوال العامل الخارجي لهذه الصراعات، والمتمثل بالتدخلات الإيرانية أو السعودية في سياق التنافس بينهما منذ سنوات طويلة ودعم كل منهما لأطراف محلية متناقضة تخوض حربهما بالنيابة في سوريا والعراق ولبنان واليمن.

وتدرك إيران، كما تدرك السعودية، أنهما فشلتا في تحقيق طموحاتهما الإقليمية عبر حروب الوكالة في الدول التي تعاني من صراعات داخلية بالمنطقة.

وتعتقد السعودية أنها وصلت إلى طريق مسدود في الحرب اليمنية، وأن مسألة الحسم العسكري للحرب باتت بعيدة المنال بسبب الدعم الإيراني غير المحدود لجماعة الحوثي.

كما أن إيران هي الأخرى تدرك أنها تعاني من خسارات متتالية في الحرب الأهلية السورية وصعوبة حسمها عسكريا، بالإضافة إلى خسارتها لبعض نفوذها في الأوساط الاجتماعية العراقية بعد الاحتجاجات الرافضة للتدخلات الإيرانية والتي انطلقت عام 2019 وأرغمت حليفها رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي على الاستقالة.

لكن الخلافات الإيرانية السعودية اتخذت أبعادا تتعدى البعد السياسي إلى الصراع الجيوسياسي في المنطقة، ومحاولة كل منهما فرض نفوذها في عدد من دول المنطقة يعتقدان أنها مجالا حيويا لمصالحهما ونفوذهما التقليدي، لذلك فإن مباحثات كهذه من المؤكد أنها ستساهم في تخفيف حدة التوتر في المنطقة، لكنها لن تكون كافية لإنهاء صراع النفوذ بينهما. ​​​​​​

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

خيارات العرب في مواجهة الفقر المائي

– تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 17 من أصل 22 دولة عربية تعيش على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *