بإسقاطها الطائرة الأمريكية المُسيرة، تكون إيران قد “ارتكبت خطأ كبيرا جدا”، في أول تعليق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الحادثة، أعقبها بتصريحات قال فيها إن الطائرة المسيرة كانت “غير مسلحة وتحلق فوق المياه الدولية بوضوح”، لكنه يعتقد أنه “من الممكن أن تكون إيران أسقطت الطائرة عن طريق الخطأ”.
وفي رده على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة سترد على إيران عسكريا، قال الرئيس الأمريكي في تهديد مبطن “ستعرفون قريبا”، لكن حادثة إسقاط الطائرة المسيرة التي لم تكن تحمل أشخاصا أمريكيين قد تخفف من الرد الأمريكي على إيران بالرغم من تصريحات دونالد ترامب.
وقال مسؤولون أمريكيون وإيرانيون، الخميس، إن الحرس الثوري الإيراني أسقط طائرة أمريكية بدون طيار من طراز “غلوبال هوك إم.كيو-4سي ترايتون) التابعة للبحرية الأمريكية” الخاصة بالمراقبة البحرية الواسعة في منطقة مضيق هرمز، اختلف الجانبان على تحديد ما إذا كانت قد أسقطت بعد دخولها الأجواء الإيرانية، وفق الرواية الإيرانية الرسمية، أو في الأجواء الدولية، وفق الرواية الأمريكية.
وتنفي طهران تورطها بهجمات سابقة استهدفت ناقلات نفط في ميناء الفجيرة الإماراتي وخليج عمان، كما نفت خلال الأسبوع الماضي “مزاعم” أمريكية بإطلاق صاروخ سطح ــــ جو على طائرة أخرى للمراقبة البحرية بدون طيار قبيل ساعات من الهجمات على أربع سفن في خليج عمان.
صعّد الجيش الأمريكي، الأربعاء 19 يونيو/حزيران، اتهاماته لإيران بالمسؤولية عن هجمات استهدفت ناقلة نفط يابانية وأخرى نرويجية في بحر عمان قرب مضيق هرمز، يوم الخميس 13 يونيو/حزيران في ذات الوقت الذي كان رئيس الوزراء الياباني يزور طهران بمهمة “وساطة” بين الولايات المتحدة وإيران.
بالتزامن مع تطورات حادثة إسقاط الطائرة الأمريكية يجري المبعوث الأمريكي الخاص بإيران “براين هوك” المستشار الأول لوزير الخارجية، جولة تشمل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، باستثناء دولة قطر، لإجراء محادثات ثنائية مع مسؤولي السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان والبحرين تتعلق بالنشاطات “العدائية” والدور “التخريبي” لإيران في المنطقة، إلى جانب مشاركة تلك الدول “معلومات وتقارير استخبارية إضافية عن التهديدات الإيرانية في المنطقة” وتورطها في الهجمات الأخيرة على ناقلات النفط.
وتتراوح مواقف الدول الخمس المشمولة بجولة المبعوث الأمريكي الخاص، براين هوك، بين التأييد الكامل لسياسات واشنطن تجاه إيران، خاصة من السعودية والإمارات والبحرين، والحذر من أي تصعيد للتوترات في المنطقة، مثل الكويت، أو ضرورة الحوار مع إيران، مثل سلطنة عمان التي ظلت إحدى أهم قنوات التواصل بين الولايات المتحدة وإيران منذ الثورة الإيرانية عام 1979.
وسيغادر “براين هوك” المنطقة في 27 يونيو/حزيران إلى بعض الدول الأوروبية، بريطانيا وألمانيا وفرنسا، لبحث إمكانية تنسيق المواقف لمواجهة التصعيد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.
منذ أيار/مايو الماضي، شهدت منطقة مضيق هرمز ست هجمات على ناقلات نفط، نفت إيران مسؤوليتها عن أي منها، في حين تشير تصريحات أمريكية إلى معلومات استخبارية وأدلة على أن إيران هي “الجهة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك القدرة على تنفيذ مثل تلك الهجمات المعقدة”.
وأكد الجيش الأمريكي في حينه “فشل” محاولة إيران لإسقاط الطائرة الأمريكية بينما أكد نجاح جماعة الحوثي في إسقاط إحدى الطائرات الأمريكية بدون طيار في 6 يونيو/حزيران.
وأدانت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان لها، الخميس، “انتهاكات الولايات المتحدة” للأجواء الإيرانية معتبرة ذلك “عملا استفزازيا”، مؤكدة على أن طائرة “التجسس” الأمريكية المسيرة، التي أسقطها الحرس الثوري الإيراني، انتهكت أجواء بلاده مع “التحذير” من نتائج مثل هذه الأعمال “غير القانونية”.
وتعتزم إيران إحالة حادثي إسقاط الطائرة الأمريكية إلى الأمم المتحدة لإثبات أن “الولايات المتحدة تكذب” حين أعلنت أن الطائرة المسيرة “لم تنتهك المجال الجوي الإيراني وكانت فوق المياه الدولية”، بحسب تغريدة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على موقع تويتر، الخميس.
تحركت قطع من البحرية الأمريكية إلى مكان حطام الطائرة المسيرة التي أسقطتها إيران في “المياه الدولية بمضيق هرمز”، حسب تصريحات لمسؤول أمريكي تناقض الرواية الإيرانية عن إسقاط الطائرة التي أفادت فيها بأنها أسقطت الطائرة المسيرة في إقليم “هرمزكان” المطل على الخليج العربي جنوب البلاد بالقرب من مضيق هرمز (1200 كيلومترا جنوب شرق طهران) بصاروخ “خرداد 3” محلي الصنع.
وتحلق الطائرة المسيرة “غلوبال هوك” على ارتفاع نحو 50 ألف قدم في نطاق تشغيلي يصل إلى 8200 ميل بحري لأكثر من 24 ساعة متواصلة في الرحلة الواحدة لجمع صور شبه آنية وعالية الجودة لمناطق واسعة في مختلف أحوال الطقس.
تأتي حادثة إسقاط الطائرة الأمريكية في ظل أجواء “توتر” واسع النطاق بين الولايات المتحدة وإيران بعد قرار الرئيس الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق النووي في أيار/مايو من العام الماضي وتعزيز حزمة العقوبات ضمن حملة “الضغط القصوى” في أيار/مايو الماضي والقرار الأمريكي بإلغاء الاستثناءات لشراء النفط الإيراني الممنوحة لثمان دول، من بينها العراق التي انفردت بالحصول على تمديد لمدة تسعين يوما.
وتمكنت إيران حتى الآن من التعامل مع العقوبات الأمريكية من خلال “تكييف” أوضاعها الاقتصادية بأدنى حد من التأثيرات السلبية التي يمكن لإيران أن تعمد إلى تفجير الأوضاع من خلال القوات الحليفة لها في المنطقة في حال شكلت العقوبات الأمريكية تحديا وجوديا للدولة الإيرانية أو نظام الحكم القائم.
صعّدت جماعة الحوثي الحليفة لإيران من هجماتها على أهداف في العمق السعودي شملت مطارات مدنية ومحطات إعادة ضخ نفطية وآخرها محطة تحلية المياه في جازان جنوب غرب المملكة العربية السعودية بصارخ كروز.
وأكد مسؤول في البيت الأبيض لوسائل إعلام أمريكية، الخميس، أن مسؤولين كبارا التقوا في البيت الأبيض، الأربعاء، بعد معلومات عن ضربة وجهتها جماعة الحوثي إلى محطة لتحلية المياه في منطقة جازان.
وتنفي إيران صلتها بالهجمات التي تشنها جماعة الحوثي ضد أهداف سعودية.
لمواجهة التصعيد الإيراني في منطقة الخليج العربي نقلت الولايات المتحدة حاملة الطائرات إبراهام لينكولن وعدد من قاذفات القنابل الإستراتيجية بعيدة المدى وصلت إلى المنطقة، بالإضافة إلى المزيد من الجنود الذين كان آخرهم دفعة من ألف جندي أمريكي أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، الاثنين 17 يونيو/حزيران، عن نشرهم في المنطقة بالإضافة إلى 1500 جندي إضافي سبق أن وصلوا إلى المنطقة بعد هجمات أيار/مايو الماضي على أربع ناقلات نفط في ميناء الفجيرة الإماراتي.
وتعلن إيران على لسان كبار مسؤوليها مثل اللواء حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني المرتبط مباشرة بالمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي الذي يملك قرار الحرب والسلم، أن إيران ليست لديها أي نية للحرب مع أي دولة، لكنها، أي إيران مستعدة “تماما” للحرب وأنها ستدافع عن نفسها.
وفي ظل أجواء التوترات المتصاعدة والتطورات المتسارعة على أكثر من صعيد، فإن إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة هو الاستهداف الإيراني الأول المباشر لأهداف أمريكية في المنطقة.
ومع أن كلا من الولايات المتحدة وإيران يواصلان التأكيد على عدم رغبتهما في الحرب وضرورة تجنبها، إلا أن هناك ثمة مخاوف من زيادة التوترات في المنطقة بعد تصاعد الهجمات التي تستهدف مصالح وجنودا أمريكيين في العراق والخليج العربي وفي السعودية.