هَامَ “خِداش بن حابس التميمي” حُبّا بـ “الرباب”، فتاة بني سدوس الجميلة، فردّه أبواها، فلما سمعت الرباب شعره في عشقها رقّت له، وراجعت أبويها، فوافقا بعد التمنُّع، فلما جاءهم خِداش من الغد، قال: “العود أحمد، والمرء يرشد، والورد يحمد”، فأُرسلت مثلا لمن يعود إلى الرشد، فهو أكسب للحمد من فاعله ابتداء.
مؤتمر “غروزني” الشهير، كان بدون مبالغة تفتيت المفتت من الكلمة، عنوانه جمع الأمة، ومضمونه دعم الشتات، حيث استثنى السلفية والمرجعيات الدينية السعودية من تعريف أهل السنة والجماعة، وحصره في الأشاعرة والماتريدية والصوفية، فكانت زوبعة أثيرت في وقت لا تتحمل فيه الأمة مزيدا من التناحر والشقاق، وامتدت تداعيات المؤتمر إلى الأروقة السياسية تثير فيها الأزمات.
يمكن القول بأن مؤتمر غرزوني ذو أضلاع ثلاثة تمثل عماد المنظومة المحركة:
الأول: الرئيس الشيشاني الموالي لروسيا “رمضان قاديروف” المضيف والراعي الرسمي للمؤتمر. والثاني: شيخ الأزهر – ومعه عدد من الشخصيات الدينية التي يغلب عليها التصوف بموطنه -باعتباره قامة علمية للأشاعرة، ورئيسا لمجلس حكماء المسلمين، كانت له الكلمة الافتتاحية للمؤتمر.
والثالث: هو الداعية اليمني، علي الجفري، مؤسس “طابه”، المؤسسة المُنظِمة للمؤتمر.
فأما الأول، فقد بادر بالاعتذار للسعودية من خلال تصريحاته التي توّجها بزيارة رسمية للمملكة، وأكد على أهمية المكوِّن السلفي في مصطلح أهل السنة.
وسواء كان الرجل مدفوعا بإشارة روسية بعدم التصعيد مع السعودية أم لا، فالمهم أنه تدارك الموقف.
وأما شيخ الأزهر، فقدم اعتذارا رسميا لعلماء السعودية من خلال زيارة قام بها وفده إلى المملكة، متبرّئا من مُخرَجات البيان الختامي الذي لم يشهده، وهو أمر مقبول بغض النظر عن دوافعه السياسية أيضا.
وأما علي الجفري فخالف الرجلين رغم الاشتراك في المذهب والمشرب، فليته كان كـ “دريد بن الصمة”، حين قال:
ومَا أنَا إلا من غَزِيَّةَ إنْ غوَتْ … غويْتُ وإنْ تَرشُدْ غزَّيَةُ أرشُدِ
لكنه سارع بتكذيب خبر اعتذار قاديروف، مع أن الزيارة في حد ذاتها تتضمن اعتذارا، وأكد على عزم القيادة الشيشانية على تحقيق نتائج المؤتمر.
كنا ننتظر من الجفري موافقة زميليه، والسعي لرأب الصدع ووحدة الكلمة، لكنه لم يفعل.
انتظرناه من الجفري لصلته الوطيدة بشيخ الأزهر الذي تراجع، فهو يمثل للجفري مرجعية أشعرية، والأخير قد شارك في تنظيم منتدى تعزيز السلم بالمجتمعات الإسلامية بالإمارات عام 2014، والذي أوصى بتأسيس مجلس الحكماء الذي يتزعمه شيخ الأزهر.
انتظرناه من الجفري مؤسس “طابة”، التي تُلخّص مهامّها بأنها “إعادة تأهيل الخطاب الإسلامي لاستعادة قدرته على فهم الواقع وسبر أغواره وصياغة رؤى يستقي منها قادة الرأي والقرار مواقفهم وتوجهاتهم، مستندين في ذلك إلى مرجعية أصيلة واستيعاب للتنوع الثقافي والحضاري الإنساني”، بحسب ما ورد في موقع المؤسسة، ومن هنا أتساءل: أين ذلك الاستيعاب؟!
انتظرناه من الجفري الذي يدعو إلى حوار الأديان والأفكار، والذي له باع طويل في تعزيز التعاون المشترك مع المؤسسات الدينية الغربية، فتارة مع مؤسسة “جون تمبلتون” الأمريكية لعمل أبحاث مشتركة للاستفادة من المشاريع الإنسانية، وتعزيز حوار الأديان والحضارات والثقافات، وتارة يتبنى الدعوة لمشروع حوارات “كلمة سواء” بين أصحاب الديانات الثلاث.
رائع يا جفري، فماذا عن مخالفيك في الأمة؟!
أيها الشيخ، كفاك تغريدا خارج السرب، فالقوم لم ينسوا بعد زيارتك للأقصى تحت إشراف الاحتلال، ولا زيارتك الدانمارك في وقت نادى فيه العلماء بالمقاطعة، بعد الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم.
أيها الجفري، عُد، فالعود أحمد.