الرئيسية / مقالات / أنور قرقاش…ورسالة تحريضية للشعب القطري

أنور قرقاش…ورسالة تحريضية للشعب القطري

“رمتني بدائها وانسلت”، أصل هذا المثل العربي كما جاء في “مجمع الأمثال”، أن سعد بن زيد بن مناة، تزوج “رهم” بنت الخزرج، وكانت من أجمل النساء، فولدت له مالك بن سعد.

فكانت ضرائرها يعيِّرنها ويقلن: يا عفلاء (عيب يصيب المرأة بعد الولادة)، فنصحتها أمها أن تبدأهن بذات الكلمة، فجاءت امرأة من ضرائرها تسبها، فعاجلتها “رهم” بكلمة عفلاء، فقالت ضرتها: رمتني بدائها وانسلت، فأُطلقت مثلا يقال فيمن يرمي غيره بعيب هو فيه.

وجدت ذلك المثل حاضرًا في مخيلتي عندما قرأت تغريدات أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، يتوجه فيها إلى الشعب القطري تظهر فيه بوضوح رائحة التحريض على إدارة الدوحة، وألفيتُ مضمونه قد نأى عن الواقع بصورة فجّة، وكأن الرجل يتحدث إلى أناس كانوا يقضون عطلتهم على موكب المريخ منذ بداية أزمة الخليج وفرض الحصار على قطر.

يقول قرقاش في تغريداته: “ولعلها فرصة سانحة يسأل فيها المواطن القطري قيادته حول حكمة تسخير الإعلام القطري للهجوم المغرض على السعودية الشقيقة، وعن المصلحة القطرية في ذلك، بل وحول ضياع فرصة على الدوحة تسهل أزمتها، إنه غياب الحكمة وضياع البوصلة”.

لن أُضلل القارئ في حقيقة هجوم الإعلام القطري ليس على السعودية فحسب، وإنما على دول الحصار جميعها، لأنه بكل ببساطة هجوم مضاد مشروع.

يا قرقاش، الشعب القطري لن يسأل قيادته عن هجوم إعلامها على السعودية وأخواتها من دول الحصار، لأنه يعلم تمام العلم أن البادئ أظلم، وأن الذي استبانت فضيحته في اختراق الوكالة القطرية وفبْركة حديث لأمير قطر هو من أشعل النار بهدف إيجاد ذريعة لحصار جائر يُفرض على أشقاء في الدين والعروبة والأرض.

لن يسأل الشعب القطري قيادته لأنه يرى فضائيات وصحف دول الحصار وهي تلهج ليل نهار بشيطنة قطر وتأجيج النيران حتى تقضي على كل أمل في حل سلمي للأزمة يمكن تحقيقه على قاعدة احترام السيادة والإرادة السياسية.

لن يسأل الشعب القطري قيادته وهو يرى ابن سلمان في جولته العربية التي قام بها لتحسين صورته المشوهة، يزور زعيم الانقلاب في مصر، ويجددان سويًا التمسك بالشروط الجائرة التي وضعتها دول الحصار وعدم التنازل عنها لإنهاء المقاطعة على قطر.

يا قرقاش، إنك تذكرنا بما كتبه أحد الغزاة في مذكراته: “لن أنسى أبدًا وحشية ذلك الفلاح حين عض يدي وأنا أشد وثاقه لأذبحه”، لكن ماذا أقول وأنت تمثل حكومة أمعنت في الجور وتدابير الظلام المقيتة؟

إن كان الإعلام القطري يقوم بهجوم مضاد على النظام السعودي، فنظام بلادك أنت قد سعى في خراب السعودية، فعلى خطى رئيسك يسير ابن سلمان، اخترقتم الديوان السعودي حتى أصبحت توقيعاتكم ظاهرة في كل قرار، وكنتم سببًا رئيسيًا في إطالة أمد الحرب في اليمن بأجندتكم الخاصة وهو ما وضع السعودية في مأزق لا يظهر له مخرج، وبركاتكم طالت دعاة الإسلام في قلب المملكة الذين أُودعوا وراء القضبان، وأفسدتم العلاقات بين السعوديين والأتراك، إنها لعبتكم التي تجيدونها.

ثم أراك تتحدث بنبرة تتكلف فيها الإشفاق، حول ضياع فرصة للدوحة تُسهل أزمتها، فأي فرصة وبلادكم ودول الحصار جميعًا قتلت كل الفرص، وترفض أي حل للأزمة لا يمر سوى على جثمان الإرادة السياسية للقطريين وحقهم السيادي، فقط الركوع على أعتابكم هو الطريق الوحيد لإنهاء الحصار.

وعن أي بوصلة فقدتها قطر تتحدث، أنتم من فقد البوصلة دائما بالتحركات المشبوهة ضد طموحات الشعوب وتمويل الانقلابات ضد الأنظمة الشرعية التي اختارتها الشعوب بإرادة حرة، وضد أي نظام ديموقراطي في المنطقة.

 قد نصّب زعيمك نفسه رجل البيت الأبيض في الشرق الأوسط وسحب معه ابن سلمان إلى أوحال العولمة وفرض النموذج الأمريكي، وأوغلتم في التطبيع غير عابئين بضياع القضية الفلسطينية، أليس كل هذا ضياعًا للبوصلة وشذوذًا عن مصالح الأمة؟

وأراك أيها الشفوق تتحدث بهذا الود إلى الشعب القطري مُبديًا حرصك وعطفك تجاهه، فأين كانت هذه الشفقة على الشعب القطري عندما انطلقتم مسعورين تجاه فرض حصار يضر بحياة القطريين؟ وأين كانت هذه الشفقة على القطريين عندما انطلقت مؤسساتكم الإعلامية تنال من هذا الشعب وحكومته؟ اطمئن أيها العطوف، لو كان تأليب القطريين على قيادتهم مُجديًا لأفلح في الفترة الأولى الحالكة، قبل أن تقفز قطر باقتصادها خارج أسوار الحصار، وتوفر البدائل، وتعقد شراكات اقتصادية وسياسية وأمنية تأخذ بها بعيدًا عن مرمى أهداف الحصار، فجمعكم الذي سيّرته شياطين الظلام لم يزدهم إلا إيمانًا بقضيتهم واعتزازًا بكرامتهم وسيادتهم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

طوفان الأقصى… إشكالية التلازم بين الدوافع والنتائج

في السابع من أكتوبر 2023، أطلقت المقاومة الفلسطينية عمليتها الكبرى «طوفان الأقصى»، لوضع حد للصلف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *