الرئيسية / مقالات / الشأن التركي / المُهم أن يسقط أردوغان وأن ينتهي حزبه

المُهم أن يسقط أردوغان وأن ينتهي حزبه

بعد إسقاط السلطان عبد الحميد، اكتشف بعض رموز الاتحاد والترقي الخديعة التي تعرضوا لها من قبل الماسونية والصهيونية، كان من بينهم أنور باشا حيث قال لأحد أقطاب الجمعية: أتعرف ما هو ذنبنا؟ نحن لم نعرف السلطان عبد الحميد، فأصبحنا آلة بيد الصهيونية، واستثْمرتْنا الماسونية العالمية، نحن بذلنا جهودنا للصهيونية، فهذا ذنبنا الحقيقي”.

وقال القائد العسكري الاتحادي أيوب صبري: “لقد وقعنا في شرَك اليهود عندما نفّذنا رغباتهم عن طريق الماسونيين لِقاء صفيحتين من الليرات الذهبية، في الوقت الذي عرض فيه اليهود ثلاثين مليون ليرة ذهبية على السلطان عبد الحميد لتنفيذ مطالبهم، إلا أنه لم يقبل بذلك”.

مثل هذه التصريحات التاريخية تؤكد أن معارضي السلطان عبد الحميد كان شغلهم الشاغل أعماهم عن المخططات الخارجية هو إسقاطه فحسب، دون أن الالتفات إلى تقدير المآلات ودون النظر إلى المصالح العليا للوطن، المهم هو إسقاطه.

ربما تسلك المعارضة التركية اليوم نفس المسلك، فعلى الرغم من كل المؤامرات التي تحاك ضد تركيا في الخارج والداخل، نجد أن كل ما يشغل المعارضة حاليا هو إسقاط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومة حزبه (العدالة والتنمية)، دون نظرة واقعية موضوعية تراعي المصالح العليا للوطن، ودون أن تمتلك رؤية لإدارة البلاد حال إسقاط أردوغان وحزبه.

ربما سيكون هذا المسلك مقبولا إذا كان النظام قد أثبت فشله وحان وقت إقصائه لتنطلق القاطرة، وربما سيكون هذا المسلك مقبولا إذا كانت المعارضة لها رؤية واضحة تنقل الدولة إلى أوضاع سياسية وأمنية واقتصادية وتنموية واجتماعية أفضل مما هي عليه اليوم.

الواقع التركي يقول أن تركيا خلال فترة تولي أردوغان وحزبه زمام الأمور (16 سنة)، قد نقلوا البلاد نقلة بعيدة على كافة الأصعدة، فما قيمة الاستماتة التي تُبديها المعارضة من أجل إسقاط أردوغان وفريقه؟ علما بأن هذه الأحزاب لا رصيد لها من الإنجازات في واقع الأتراك سوى المهاترات والتنظير والمؤتمرات.

فيبدو أن المعارضة التركية تسير بمبدأ: (طالما كنت حزبا معارضا فعليك أن تعارض فحسب)، فهل تنشد المعارضة التركية من إسقاط أردوغان – رغم إنجازاته – أن يصدُق عليها وصف المعارضة؟ أم أنها سيطرة الأيديولوجيات التي تعمي عن مصالح الوطن؟!

ومن جهة أخرى، لم تقدم حتى اليوم صورة لما ستكون عليه الدولة التركية حال فوز هذه الأحزاب، فالذي يظهر من واقع المعارضة أن هدفها إسقاط أردوغان، والتفكير بعد ذلك في شكل وإدارة الدولة التركية سوف يفرزه الواقع.

لقد سُئلت أسطورة الإعاقة هيلين كيلر: ما هو أسوأ من أن يولد المرء أعمى؟” فأجابت: أن يكون له بصر بلا رؤية، فإن كان هذا هو الحال مع الأفراد، فكيف بانعدام الرؤية لدى أحزاب تسعى للمنافسة على قيادة البلاد.

إذا كانت المعارضة تعتزم حال إسقاط أردوغان إعادة النظام البرلماني، فهل تعتبر المعارضة الانتقال إلى النظام الرئاسي الذي تم اعتماده لونا من ألوان الديكتاتورية التي مارسها أردوغان ضد شعبه؟ أليس هذا الانتقال قد تم عبر أصوات الناخبين في الاستفتاء؟ أم أن المعارضة ستفرضه قسرًا؟

إذا كانت المعارضة في برامجها تُبشّر بعودة تركيا القديمة مرة أخرى بعد إقصاء أردوغان وفريقه، فهل تعني بذلك عودة سيطرة جنرالات الجيش على الحياة السياسية؟

هل تعني بعودة تركيا القديمة قفز المؤسسة العسكرية على كل حكومة لا تُناسب توجُّه الكماليين؟

هل تعني بعودة تركيا القديمة تهاوي الاقتصاد التركي وتراجعه إلى الترتيب الـ 116 مرة أخرى بعد أن دخل مجموعة العشرين في عهد أردوغان؟

أم تعني بعودة تركيا القديمة عودة الأزمات البيئية وتكدُّس القمامة، وانقطاع المياه والكهرباء المستمر؟

أم أنها تعني بذلك عودة تركيا إلى التبعية الأمريكية والعيش في ظلال قرارات البيت الأبيض؟

أم أنها تعني بعودة تركيا القديمة أن تعود البلاد للتضييق على المظاهر الإسلامية كالحجاب والتعليم الديني؟

أم أنها تعني بعودة تركيا القديمة إعادة فصل الأتراك عن تراثهم العثماني الذي تم إحياؤه في عهد أردوغان وحكومة العدالة والتنمية؟

تلك هي تركيا القديمة التي تتحدث عنها المعارضة، لذا هي عبارة جوفاء تطلقها المعارضة وكأنها تخاطب شعبا جاهلا مغيبا، والحال أن الشعب التركي أثبت في غير مناسبة يقظته ووعيه ونضجه واستفادته من التجارب، كان منها إحباط الانقلاب الأخير.

كما لا توضح المعارضة مصير العمليات العسكرية التي يُنفّذها الجيش التركي على حدود سوريا لمنع إقامة دولة كردية تُهدد الأمن القومي التركي، وكيف سيكون شكل التعامل مع الأكراد خاصة؟ وما هو مصير اللاجئين السوريين إذا وصل القوميون إلى الحكم؟ وهل ستعود تركيا لحالة شبه الانقطاع عن الدول العربية بعد أن أصبحت عمقًا استراتيجيا لتركيا في عهد أردوغان؟ وماذا سيكون موقفها من الكيان الموازي – الذي يدعمها حاليا في الانتخابات – رغم ضلوعه في الانقلاب الأخير؟

ليس هناك شيءٌ واضح من ذلك، المهم هو إسقاط أردوغان ورجاله، وليحدث ما يحدث، وليكن بعدها ما يكون، يُذكّرنا الأمر بما حدث في مصر إبان انقلاب الثالث من يوليو، والذي مهّدت له جبهة الإنقاذ التي تتألف من قوى علمانية وليبرالية ويسارية…، اجتمعت كلها لإسقاط الرئيس المنتخب محمد مرسي، لم يكن لها هدفٌ سوى إسقاطه دون أن يكون لديها رؤية واضحة لما بعد إسقاطه، حتى لو عاد الحكم العسكري الذي ثار عليه الشعب، لا يهم ما سيكون بعدها، المهم هو إقصاء الإخوان ورئيسهم.

ومن المفارقات العجيبة، أن حزب السعادة التركي (توجّه إسلامي) يتحالف مع حزب علماني وآخر قومي لإسقاط أردوغان الذي يُصنفه العلمانيون والقوميون على أنه ذو جذور إسلامية، وهو الأمر نفسه الذي قام به حزب النور السلفي في مصر، والذي تحالف مع القوى الليبرالية واليسارية والعلمانية لإقصاء حكم الإخوان والرئيس مرسي.

قطعا أنا لا أهاجم الحياة الحزبية في تركيا أو في أي دولة، ووجود أحزاب مُعارِضة ضمان لعدم استبداد حكومة الحزب الواحد، بل بِمدى قوى هذه الأحزاب المعارضة تزدهر الحياة السياسية، إلا أنه ينبغي أن تكون معارضة راشدة تُقدم مصالح البلاد العليا على المصالح الحزبية الضيقة، خاصة وأن هذه الأحزاب على دراية واسعة بحجم المخططات التي تُحاك ضد الدولة التركية من قبل قُوى خارجية، أبرزها مخطط تدمير الاقتصاد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

عن Ehssan Alfakeeh

شاهد أيضاً

مدينون نحن دائما

«مدينٌ أو غير مدين»، ينصرف الذهن دائما في تحديد أي منهما، على ما جرت به …

6 تعليق واحد

  1. فريد الجزائري

    أكلت يوم أكل الثور الأبيض القصة تتكرر كثيرا في عالمنا الإسلامي لا يهم أ كانت بالخديعة أم بالغباء أم أن للتعمد فيها نصيب
    و العجيب أننا لا نستفيق من كوننا سنكون الضحية المقبلة إلا بعد فوات الأوان
    فعنادنا و مصالحنا الضيقة و جهلنا بالحقائق و فهمنا المغلوط جعل منا أداة لينة في يد الأعداء
    فتركنا المصالح العليا لأوطاننا و انغمسنا في كسب منافع وهمية سرعان ما تحولت إلى مشانق تلوى على رقابنا و لا عزاء فما حك جلدنا إلا ظفرنا
    ملخص الدرس الذي بين أيدينا هو الإجابة على هذه الأسئلة : هل نحن عباد الله فعلا ؟ بمعنى آخر هل نحن مسلمون حقا !؟ و هل صدقا نبتغي العزة و الكرامة لكل المسلمين و نسعى لطاعة الله و رضاه !؟ أم أننا نتقمص الإسلام للوصول إلى منافع ظرفية تافهة لا تتعدى حدود حياتنا الدنيا ؟!.

  2. (وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمࣰا‮ )

  3. (وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمࣰا‮ )
    العلم نور
    و ربي يبارك فيك

  4. مازال انقلاب تركيا يتردد صداه كانت محاوله حقيقيه لإدخال تركيا في حالة فوضى وزعزعة الامن والاستقرار و محاولات السيطره على اخر معقل الخلافه الاسلاميه هوس واطماع البعض بالخلافه اصبح هاجس و خطر يهدد امن واستقرار و قتصاد بلاد الاسلام

  5. الحراكي الأردني احمد طبنجة الكناني

    مقال رائع جداً جداً ،أصبتِ كبد الحقيقة المؤلمة ل١٠٠عام وأكثر على الأمتين العربية والإسلامية وحتى على المسيحية ، لم يكن صائب أبداً التآمر مع الصهاينة على الخلافة العثمانية والإسلامية وإسقاطها بغير أدنى شرف وكرامة هكذا ، متعافلين عن الننائج المؤلمة والقاسية واللإنسانية ولا وطنية أبداً على أمتينا الإسلامية والعربية وللأسف الشديد لا نزال للآن ندفع ثمن وضريبة خياناتنا وتخاذلنا مع عموم شعوبنا لمصلحة أعدائنا الصهاينة الامريكان والبرطيانيين ومن ركب ركبهم..!
    آن لهذا البلاد أن تستفيق على طاقاتها ومقوماتها وخيراتها والأهم أرضها وهويتها.
    الحراكي الأردني
    أحمد طبنجة الكناني

  6. ♦️ *هل تصطف مع الغرب ضد أردوغان؟*
    ➖➖➖➖➖٢٠٢٣/٥/١٦م
    إذا كان الغرب يعلن ويتدخل بتدخل سافر ليدعم المرشح كمال أوغلوا لكي يفوز ويعارض وبقوة فوز أردوغان ، فهل نصطف إلى جانب أمريكا وفرنسا وبريطانيا والكثير من دول الغرب بشكل عام والكيان الصهيوني وأعداء الإسلام لنخذل ولا ندعم في مواقع التواصل أردوغان لكي يفوز ، فالجهاد يكون ولو بالقلب وهذا أضعف الإيمان .

    هل وصلت بنا المماحكات أن نسب من نرى أن فيه خير لأمتنا ، أما كمال أوغلو فهو يجاهر في عداوته للإسلام ، فهل من الدين أن نؤيده ؛
    ومعروف أن الجهاد والوقوف مع أخوك المسلم ولو بالقلب وهذا أضعف الإيمان ما بالك ونحن نمتلك مواقع التواصل وهو عمل اللسان .

    يا أبناء السنة لماذا نهزم بعضنا البعض والشيعة مع الغرب يتحدون ليقضوا علينا ، وحدوا صفكم وقاوموا عدوكم بكل أشكال المقاومة والجهاد لكي تنصروا الحق وأهله .
    ➖➖➖➖➖
    *✍ أ/ أحمد أبو عايض*

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *