ومن يصنع المعروف في غير أهله يـلاقي مـا لاقى مجير “أم عامر”
أدام لـها حين استجـارت بقربه قـراها مـن ألبان اللقاح الغزائر
وأشبعهــا حتى إذا ما تملأت فرته بأنياب لهــا وأظافر
وأم عامر كما هو اسمها عند العرب، هي أنثى الضبع، ويقال لها “نوش الخسيسة”، وكانت لهذه الأبيات مناسبة، حيث أن من قالها يرثي بها حال ابن عمه مع “أم عامر”.
والقصة رواها البيهقي في شعب الإيمان، ومفادها: أن قومًا خرجوا للصيد فعرضت لهم “أم عامر” فطاردوها حتى دخلت خباء أعرابي، فأرادوا قتلها، فمنعهم وأشهر سيفه في وجوههم لأنها احتمت به.
فحلب لها ناقة وقربه إليها فشربت وشبعت، فبينما كان الأعرابي نائمًا، وثبت عليه فبقرت بطنه وأكلت أحشاءه، فجاء ابن عمه فوجده قتيلا، ولم ير أم عامر في مكانها، فلم يزل يتبعها حتى أدركها وقتلها، وأنشد هذه الأبيات.
فصار كل من يضع معروفا في غير أهله، ولمن لا يستحقه، يقولون عنه “كمُجِير أم عامر”.
لم يكد انفجار القطيف يحدث، حتى سارع الشيعة داخلها بالتظاهر، ورفع اللافتات الطائفية التي تثير الشكوك في أنها قد أُعدت سلفًا، وهو ما قد يشير إلى العلم المسبق بالتفجير.
وبالرغم من أن الحكومة السعودية أدانت العملية، وتحركت أمنيًا بصورة سريعة وقوية، وبالرغم من أن خادم الحرمين توعد كل من يتعاطف حتى مع الحادث بالعقاب، إلا أن شيعة القطيف يصرون على التظاهر والاحتجاج والتصعيد ضد الحكومة السعودية، واتهامها بالطائفية.
شيعة المملكة لا يتعاملون باعتبارهم مواطنين سعوديين، ولا يدينون بالولاء لهذا الوطن، إنما ولاؤهم لإيران كشأن الشيعة في العالم، والذين تجمعهم ولاية الفقيه، لذلك ينظرون دائما وخاصة في المنطقة الشرقية والقطيف، إلى الحكومة السعودية على أنهم أعداء، محتلين.
ولم يكن التفجير وما أعقبه من اضطرابات أثارها شيعة المملكة، سوى رسالة إيرانية إلى الحكومة السعودية، بأنها قادرة على تحريك أقلياتها وأتباعها لضرب أمن المملكة، وهو ما يقوم به شيعة السعودية بامتياز.
شيعة السعودية تاريخ من الاضطرابات:
شهدت المنطقة الشرقية التي يتمركز فيها الشيعة العديد من الاضطرابات التي أحدثوها، منذ أن ضمها الملك عبد العزيز آل سعود عام 1913م، وبرز عدم تناغمهم مع السياق الوطني العام، وأبوا إلا أن يكونوا صداعا في رأس الحكومة السعودية.
ذكر ريتشارد هرير دكمجيان في كتابه “الأصولية في العالم العربي”، أن المدعو محمد الحبشي الشيعي أنشأن عام 1925م جمعية شعبية للمطالبة بحقوقهم المزعومة، وأن الشيعة بعد ظهور النفط في المنطقة الشرقية وعملهم في صناعته، فجّر عمالهم التظاهرات ضد الحكومة إبان الحرب العالمية الثانية.
عام 1948م وصلت القلاقل الشيعية إلى حد إقامة تظاهرات عنيفة واسعة النطاق في القطيف، وأحدثوا فيها الفوضى، بقيادة محمد بن حسين الهراج، وطالبوا بالانفصال عن المملكة.
عام 1949م، اكتشفت الحكومة السعودية وجود جماعة ثورة في القطيف امتدت إلى جبيل تحت اسم جمعية تعليمية، قامت الحكومة بحلها على الفور.
قام شيعة القطيف بمظاهرات عمالية ضخمة أعوام 1944م، 1949م، 1953م.
عام 1970م أحدث الشيعة اضطرابات واسعة النطاق في القطيف أيضًا، واضطرت الحكومة إرسال الحرس الوطني للسيطرة عليها.
وفي عام 1979م، وفي القطيف أيضًا، قام الشيعة بمظاهرات عارمة، تزامنا مع الحداد الشيعي في يوم عاشوراء، وذلك في أعقاب اندلاع الثورة الخمينية، ورفعوا شعاراتهم الطائفية مثل: “مبدؤنا حسيني، وقائدنا خميني” وأخرى تحريضية ضد الحكومة السعودية.
في موسم حج 1407ه، شارك شيعة المملكة بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني والتنسيق مع الحجاج الإيرانيين، بأحداث شغب في الحرم المكي، لإظهار الحكومة السعودية على أنها لا تستطيع حفظ الأمن في موسم الحج، وأنها تعتدي على الحجيج، وسقط المئات قتلى وجرحى خلال العملية التي أشعلوا فيها النار في منشآت حول الحرم وسيارات ونحوه.
وفي عام 1409ه، قام شيعة المملكة بالتعاون مع حزب الله الكويتي، باستعمال الغازات السامة في نفق المعيصم بعد عودة الحجيج من منى إلى مكة، ما أسفر عن مقتل وإصابة المئات من الحجاج.
التنظيمات الشيعية المسلحة:
قامت إيران بتشكيل تنظيمات شيعية مسلحة في عدة دول منها السعودية، انطلاقا من مبدأ تصدير الثورة الخمينية، وهو ما ظهر أثناء الصدام الأمني مع تلك التنظيمات التي اندست في موسم الحج 1407ه.
اتخذت الحركة الشيعية السعودية اسم “منظمة الثورة الإسلامية لتحرير الجزيرة العربية”، وتوزع أعضاؤها في عدة دول، وأنشأوا في لندن مجلة الثورة الإسلامية والتي تم تغييرها بعد ذلك لتصبح “الجزيرة العربية”.
كما أنشأوا ما يعرف بـ “اللجنة الدولية لحقوق الإنسان في الخليج والجزيرة العربية”، واستطاعوا الوصول إلى كثير من المنظمات العالمية ومنظمات حقوق الإنسان التابعة للخارجية الأمريكية والتي تعاونت معهم ودعمتهم.
إلا أنها دخلت مرحلة جديدة بعد عهد الخميني، حيث برزت توجهات جديدة للساسة الإيرانيين من ضرورة تصدير الثورة عبر التغلغل الاقتصادي والثقافي ونشر المذهب الشيعي، في دول المنطقة، ما ترتب عليه إعادة ترتيب الأوراق بالنسبة لزعماء شيعة العرب، والذين سعوا للتغلغل في أوطانهم وتوسيع نفوذ الشيعة.
تغير اسم الحركة من ” منظمة الثورة الإسلامية لتحرير الجزيرة العربية” إلى مسمى آخر مناسب للمرحلة، وهو “الحركة الإصلاحية في الجزيرة العربية”، وذلك في إطار المصالحة الشكلية التي تمت مع الحكومة السعودية عام 1993م، والذي تعهد فيها زعماء الشيعة في المنطقة الشرقية، بالانفصال تنظيميا عن دولة إيران.
وأما عن عموم شيعة السعودية (أي غير المنتسبين للحركة المذكورة)، فقد ذكر صاحب كتاب “أأيقاظ قومي أم نيام”، أنهم كانوا كغيرهم يتلقون تعليماتهم من الحرس الثوري الإيراني، وتدربوا على السلاح في لبنان، ومنها كانوا يسافرون إلى إيران بجوازات سفر غير سعودية، للتدريب على أشياء أخرى، ثم يعودون إلى السعودية وكأنهم لم يغادروا لبنان، وكانوا بالتنسيق مع مسئولين سوريين ولبنانيين، يقومون بتهريب الأسلحة إلى السعودية والكويت والبحرين، وقد ضبط بعضها، وتبين أن باسل حافظ الأسد كان أحد عناصر هذه العصابة.
جهود الحكومة السعودية في احتواء الشيعة:
بذلت المملكة جهودًا ضخمة، لاحتواء الشيعة، ودمجهم في السياق الوطني السعودي الذي يضم كافة أبناء المملكة:
عقب المصالحة التي أظهرها قادة الشيعة في السعودية، أفرجت السلطات عن المعتقلين الشيعة وسمحت للشيعة المنفيين بالعودة إلى البلاد.
تبنت الحكومة برنامجا شاملا لتحسين المستوى المعيشي في المنطقة الشرقية التي يتركز بها الشيعة.
قامت الحكومة بمنحهم وظائف في المؤسسات الرسمية والوزارات والمراكز المختلفة في الإدارة المحلية.
سمحت الحكومة لشيعة القطيف بإجراء مراسم العزاء في عاشوراء عام 2005م.
في فبراير 2005م، حصل الشيعة في القطيف على جميع المقاعد الستة المتنافس عليها في القطيف، وعلى خمسة من ستة مقاعد في الأحساء.
تم تعيين سبعة قضاة شيعة يفصلون في قضايا الأحوال الشخصية والمواريث والوقف في ثلاثة محاكم خاصة بالشيعة، وأنشأ لهم محكمة الأوقاف والوصايا التابعة لوزارة العدل.
تم تعيين أربعة منهم في مجلس الشورى.
ويقول الكاتب عبد العزيز النجدي في تقرير له على موقع شؤون إسلامية: “في شهر يونيو 2008، عقدت رابطة العالم الإسلامي، اجتماعاً لحوار الأديان في مكة المكرمة، شارك فيه مجموعة من شيعة السعودية على رأسهم حسن الصفار، الذي دعي كذلك للمشاركة في مؤتمر حوار الأديان في مدريد في شهر يوليو من العام نفسه”.
إطلالة على القطيف:
وأما القطيف منبع الاضطرابات والقلاقل، والتي دأب شيعتها على اللطم والعويل والتنديد بالطائفية من قبل أهل السنة والحكومة، فإنها قد حظيت بامتيازات ليست لغيرها من المناطق بالمملكة، وقدرا من الحريات يحسدهم عليها أهل السنة.
تنتشر مئات الحسينيات في شتى مناطق القطيف، تحيا في كل منها مئات من الاحتفالات الشيعية..
رفع الأذان بمكبرات الصوت بالأذان على الطريقة الشيعية (أشهد أن عليا ولي الله أشهد أن عليا حجة الله حي على خير العمل)..
إقامة صلاة العيدين والجمعة وفق أحكام مذهبهم…
انتشار الجمعيات الخيرية والاجتماعية وجمع التبرعات التي تملأ الإعلانات لها شوارع القطيف.
الحرية التامة في جمع الخمس، وصرفها ونقلها في الداخل وإلى الخارج (إيران).
حرية الاجتماعات في سائر احتفالياتهم الشيعية…
وجود دائرة الأوقاف والمواريث والأحوال الشخصية لقضاة المذهب الشيعي..
السماح لهم بالإعلان والسفر للزيارات الدينية في العراق وإيران وسوريا وغيرها…
عشرات المكتبات الشيعية التي تبيع الكتب الشيعية والمعارض التي تقام في مناطقهم.
انتشار الحوزات العلمية التي تدرس المذهب الشيعي للرجال والنساء في جميع مناطقهم…
هذا بالإضافة إلى التدفقات المالية التي تنهال على القطيف لعمل مشروعات تنموية واقتصادية وصحية وخدمية، والبنية التحتية.
هذا نذر يسير مما تقوم به الحكومة لاستيعاب الشيعة، والذي لا يزالون في تمردهم على الحكومة السعودية.
شيعة المملكة وحلم الانفصال:
فهل بعد كل هذه الجهود دخل الشيعة في المشروع الوطني في المملكة واندمجوا فيه؟
بالطبع كلا، والسبب في أنهم لا ينتمون إلى هذا البلد، فولاء كل شيعي في العالم إنما هو لإيران، وطنه الأم، ويندر من شذ عن هذا السياق.
وليس ذلك فحسب، لكن مطالب الانفصال بحكم ذاتي في المنطقة الشرقية للشيعة قد تعالت، وفي هذا المقام، نستعرض بعض لمحات لهذا الخطاب الانفصالي للشيعة في المملكة من خلال كتاب “كتاب الحراك الشيعي في السعودية تسييس المذهب ومذهبة السياسة” لمؤلفيه: بدر الإبراهيم ومحمد الصادق:
التصقت المطالبة بالانفصال بالشيع نمر النمر، وذلك بعد حديثه عنها في خطبته الشهيرة بعد أحداث البقيع.
وكان جمع من الشيعة قد تجمهر أمام فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المدينة، متهمين أحد أعضاء الهيئة بتصوير النساء الشيعيات أثناء زيارة البقيع حيث يوجد قبور أربعة من أئمتهم، بينما أكد الهيئة أنهم دخلوا البقيع في غير الوقت المخصص للزيارة، وهو ما أدرى لاندلاع الأحداث.
واجهت قوات الأمن أحداث الشغب والتظاهر، بينما صعّد شيعة القطيف احتجاجاتهم، وبرز نمر النمر في خطابه التحريضي الشهير، حيث قال فيه ضمن ما قال: “إذا حال الوضع بيننا وبين كرامتنا سندعو للانفصال”.
وحرض النمر أتباعه على حمل السلاح قائلا: كرامتنا أغلى من وحدة هذه البلاد، لن تنالوا عدلاً إلا بالجهاد”.
كما أُعتبر حمزة الحسن المنظر الرئيس للانفصال في الحالة الشيعية، حيث تحدث عن الانفصال في أكثر من مناسبة.
تحدث حمزة الحسن في برنامج “في الصميم على شاشة بي بي سي بالعربية، عام 2009م، عن الانفصال باعتباره حقا للمناطق التي كانت تتمتع بالاستقلالية.
في عام 2009م أيضا، أصدر حمزة الحسن كتابا عن نفس الموضوع بعنوان “هواجس الوحدة والانفصال في السعودية” أسهب في شرح وجهة نظره الانفصالية.
ويعضد ذلك ما نقله الباحث عبد العزيز النجدي عن المحلل الألماني ماكسميلان ترهال في دراسة مستفيضة لمواقف الشيعة في الخليج العربي، أشار فيها إلى أن “أنظار شيعة السعودية ترنو إلى تحقيق الحكم الذاتي في المنطقة الشرقية على نمط الحكم الذاتي الذي حظي به شيعة العراق في الجنوب” على حد قوله.
هذا ما يريده شيعة المملكة:
لسنا في حاجة إلى مزيد من التأكيدات على أن شيعة السعودية ما هم إلا إداة في المشروع الإيراني، وأن تحركهم الحالي تحت الرعاية الإيرانية بعد تفجير القطيف، يهدف إلى زعزعة أمن واستقرار البلاد لصالح إيران واستمرار مشروعها، ولتحقيق أهداف داخلية أهمها:
1 – دعم الخطاب الانفصالي الذي كان نمر النمر قد بدأه عام 2009م.
2 – الضغط لتغيير المناهج التعليمية في المملكة على نحو يخدم طائفيتهم، وهو ما لمسناه في شعاراتهم أثناء تشييع جنائز قتلى حادث القطيف، حيث اتهموا وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة والإعلام، والشؤون الإسلامية بأنها متسبب في الحادث.
3 – بداية التدشين لتكوين ميلشيات شيعية مسلحة، وهو ما بادر به أحد عمائمهم “عبد الجليل الزاكي” – أسوة بما طالب به “طاهر الشميمي” – بعد الحادث، حيث دعا إلى تكوين الميلشيات لحماية الشيعة بزعمه.
4 – الضغط على الحكومة السعودية، لإلغاء الخطوات التي اتخذتها في احتواء التيار الإسلامي السني.
5 – منح الشيعة المزيد من الاستحقاقات، كزيادة نسبة التمثيل السياسي.
6 – الإفراج عن معتقلي الشيعة ممن أدينوا بأعمال عنف وتحريض على النظام.
والأهم من ذلك، أن الشيعة يؤدون دورهم تجاه إيران الوطن الأم، لاستمرار مشروعها التوسعي، والذي عرقلته التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية السعودية للقيادة الجديدة.
كم أحسنت الحكومة السعودية لأنباء الطائفة الشيعية، وكم منحتهم من امتيازات، لكنهم وهذا دأبهم كانوا على نهج “أم عامر”.